أمريكا .. تاريخ من العنصرية والمآسي الإنسانية

تاريخ … أمريكا الوجه الحقيقي
إن المتتبــع لتــاريخ الولايــات المتحــدة الأمريكية لــن ينــدهش بكــل تأكيــد مــن العربــدة الأمريكية الحالية، ومن أسلوب القرصنة الذي تنتهجه لنهب مقدرات الشـعوب الأخـرى باسم محاربة الإرهاب. ففي دراسة لها، ذكرت (اليزابيت مارتينيه)، أسـتاذة الدراسـات العرقيــة فــي جامعــة كاليفورنيــا، وناشــطة فــي مجــال حقــوق الإنســان، إن الولايــات المتحدة الأمريكية كأمة بنيت على ثلاث حقائق أساسية كلها، تؤكد أن فوقيـة الرجـل الأبيض، كفكرة عنصرية هي الأساس الـذي شـكل الدولـة الأمريكيـة وهـذه الحقـائق هي:
الحقيقة الأولـى وهـي: إن الولايـات المتحـدة الأمريكيـة دولـة وجـدت بـالاحتلال العسكري، الـذي تـم علـى مراحـل عـدة، المرحلـة الأولـى تمثلـت بـالاحتلال الأوروبـي للأراضي، التي كان يقطنها سكانها الأصليين، حيث كان يقطن أمريكا قبل الغزو أكثر من 100 مليون شخص، ومع نهاية حروب الهنود الحمر، كـان هنـاك 250 ألـف نسـمه فقط مـن السـكان الأصـليين، ويطلـق )أنيـت جـيمس( علـى هـذه الحـروب فـي كتابـه (الدولة الأمريكية الأم) حروب الابادة الجماعية، حيث اعتبر أن هذه الحروب هـي التـي مهدت لبناء الولايات المتحدة الأمريكية، بمعنى أن الأمة الأمريكية بنيت أساسـاً علـى إبادة السكان المحليين واغتصاب أراضيهم.
الحقيقـة الثانيـة تقـول: إن الأمــة الأمريكيــة لـم تكـن لتتطـور اقتصــادياً دون اسـتعباد العمالـة الإفريقيـة، فعنـدما بـدأت الزراعـة والصـناعة بالازدهـار فـي العهـد الاستعماري، ظهرت الحاجة لعدد كبيـر مـن العمـال، فكـان الحـل هـو اسـتقدام أعـداد كبيرة مـن العمالـة الإفريقيـة كعبيـد لـدعم القـوة العاملـة الضـرورية، لإحـداث النمـو الاقتصادي في الولايات المتحدة الأمريكية.
أما العامل الثالث في بناء الأمة الأمريكية، وتبعاً (لإليزابيـت مارتينيـه) فيتمثـل في قيام الولايات المتحدة بالاستيلاء على نصف المكسيك بالحرب، الأمـر الـذي مكـن الولايات المتحدة من التوسـع إلـى المحـيط الهـادي، وبالتـالي فـتح بـاب التجـارة علـى مصراعيه مع آسيا، وفتح الأسواق لتصدير بضائع واستيراد بضائع لبيعها في الولايات المتحدة الأمريكية، وأطلقت الولايات المتحدة على الجـزء الـذي أخذتـه مـن المكسـيك اسم تكساس، عام 1836م، ومن ثم حولت هذا الجزء إلى ولايـة عـام 1845م وفـى العام الثالث، اجتاحت الولايات المتحدة المكسيك ثانيـة واغتصـبت جـزءاً مـن أراضـيها بمعاهدة عقدت عام 1848م وفي عام ،1853م حصـلت الولايـات المتحـدة علـى جـزء ثالث هو اريزونا. وبذلك تكون قد استكملت الحدود الإقليمية لما يعرف الآن بالولايـات المتحدة الأمريكية.
هذه كانـت الـدعائم الأساسـية التـي بنيـت عليهـا الأمـة الأمريكيـة، وفـي عـام 1898م أخـذت خطـوة إضـافية تمثلـت فـي اغتصـاب الفلبـين، وبورتوريكـو، وجـوام، وكوبا، عبر الحروب الأسبانية الأمريكية، ومنذ ذلـك الحـين بقيـت جميـع هـذه الـدول،
باســتثناء كوبــا مســتعمرات أمريكيــة تــوفر للدولــة الأمريكيــة مـوارد الثــروة والقــوة العسكرية. وبذلك تكون الولايات المتحدة قد اسـتكملت مرحلـة الاحـتلال والاسـتعمار المباشرين اللذين ابتدأتها بالسرقة الدموية للأراضي الأمريكية الأصلية قبـل خمسـة قرون.
مصادر الهوية الوطنية الأمريكية:
بالاضـافة الـى الـدعائم السـابقة فـإن (صـموئيل هنتيجـون)، يـرى أن الهويـة الأمريكية استفادت تاريخياً من ركيزتين أساسـيتين، أولاهمـا الأعـداء الـذين حـاربهم الأمريكيون على مدى التاريخ، بداية من الهنود الحمر والمستعمرين الفرنسـيين، ثـم المسـتعمرين البريطـانيين، مـروراً بسـعي الأمــريكيين التـاريخي المتواصـل لتمييـز أنفسهم، والحفـاظ علـى اسـتقلالهم عـن القـارة الأوروبيـة بشـكل عـام، وعـن القـوى الاستعمارية الأوروبية بشكل خاص، وانتهـاءً بـالحرب البـاردة. وهنـا يعبـر هنتنغتـون بصراحة عن اعتقاده، بأن العداء للآخر يلعب دوراً أساسيا في تشكل هوية أي جماعـة، ويرى أن الحروب التي خاضـها الأوروبيـون فـي العصـور الوسـطى، وقبـل بدايـة عصـر الدولة القومية كانت ضـرورية لتشـكيل هويـة الـدول الأوروبيـة المختلفـة. أمـا ثانيـة الركيزتين الإضافيتين، فهي عقيدة الأمـريكيين السياسـية. فلكـي يميـز الأمريكيـون أنفسهم عن أجدادهم البريطانيين سعوا ـ كما يعتقد هنتنغتون ـ لنشر ثقافة سياسة مستقلة ومتميزة عن ثقافة الأوروبيـين الإقطاعيـة والتمييزيـة، التـي اضـطرتهم إلـى ترك أوروبا للأبد والفرار بمعتقداتهم إلى الولايـات المتحـدة. ومـن أهـم عناصـر هـذه
العقيدة السياسية، مبادئ الحرية والمسـاواة والديمقراطيـة النيابيـة واحتـرام الحقـوق والحريات الدينية والمدنية وسيادة حكم القانون، والتى استمدت جـذورها مـن الإثنيـة البريطانية والعرق الأبيض والدين المسـيحي والثقافـة الإنجليزيـة – البروتسـتانتينية.
وبكلمات قليلة يلخص الكاتب والصحفي المعروف (بيار سـالينجر) فـي تقديمـه لكتاب (أميركا التوتاليتارية) صورة الأمريكي المفعم بالعقيدة الكالفينية، فيقول عـن هذه العقيدة: إنها تقرر ما يلي: “لئن كان االله قـد سـمح بـأن يجتمـع فـي أرض أميركـا
شعب من رجال ونساء مميزين، فذلك لأنه منح هذا الشـعب رسـالة حكـم العـالم ذات يوم .فأمريكا التي خرجت من رحم الثـورة علـى الحكـم الإمبراطـوري البريطـاني، حملت في طياتها بذورها الإمبراطورية الخاصـة مـن البدايـة، حيـث أقـدم نوعـان مـن النـاس علــى اقتحـام العــالم الجديـد لبنــاء المسـتعمرات أوائــل القـرن الســابع عشــر الميلادي، كانا، كلاهما، يبحثان عن مصيريهما. إلى فرجينيا مع الكابتن (جون سميت) ذهب المغامرون والحرفيون سعياً وراء الثروة. وإلى ماساتشوستش مـع حـاكم الولايـة جون ونثروب ذهب الحجاج والطهريـون (البيوريتـانيون) بحثـاً عـن الفـردوس. هـذان الدافعان ظلا يحركان عملية التوسع الأمريكية منذ ذلك التاريخ .
أمــا كيــف تــم ذلــك، فهــذا مــا وضــحه (ميشــال بوغنــون) فــي كتابــه (أميركــا التوتاليتارية)، عندما تمسك بالتعريف البسيط للتوتاليتارية، والتي يـرى أنهـا تتمثـل في “قوة احتوائية بمعنى أنها تنوي امتلاك مجمل مكونات الكيان الذي تعـيش فيـه”. ولما كانت أميركا مدفوعـة بهـاجس السـيطرة علـى العـالم وأمركتـه. فـإن (بوغنـون) ينبش لإثبات هذه الرؤية في التاريخ والضمير الأمريكي، ويرصد بنظرة عابرة، ولكـن ثاقبة لحظات تكونهمـا التـي أخرجـت مـا يعـرف بالأمـة الأمريكيـة إلـى الوجـود، الأمـة المختارة باختيار القدر فحسب.
المصادر:
- أمريكا .. تاريخ من العنصرية والمآسي الإنسانية / إعداد وسام الأسدي جريدة الخليج 27 ـ 02 ـ 2003 م عدد 8684.
- الدولة المارقة – الدفع الأحادي في السياسة الخارجية الأمريكيـة – كلايـد برسـتوفتز – تعريـب فاضـل جتكر –ص 43.
- أميركا التوتاليتارية، الولايات المتحدة والعالم: إلى أين؟ تأليف ميشال بوغنون موردان، ترجمـة: خليـل أحمد خليل – الجزيرة نت
2 تعليقات