مالكوم إكس… أيقونة النضال ضد العنصرية

“كان رجل مؤثر في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، وفي مسار النضال من أجل الحقوق المدنية للسود الأمريكيين خاصة وللمضطهدين والمهمشين عموما. وكانت للحياة الصعبة التي عاشها مالكوم إكس أو الحاج مالك شاباز دفعته لتحرير جميع السوم الأمريكان ومساواتهم مع البيض وتسبب ذلك النضال في اغتياله عن عمر39 عاما“.
مولده ونشأته:
ولد ” مالكوم ليتل أو مالكوم إكس” في 19 مايو/أيار عام 1925م، بمدينة أوماها بولاية نبراسكا الأمريكية، في أسرة مسيحية متدينة ومحافظة، وفي جو مشحون بالتفرقة العرقية واضطهاد السود، وكان كل شيء مهيئا له ليعيش طفولة تعيسة، فوالده “إيريل ليتل واعظ ديني يثير حنق الأمريكيين البيض، بسبب اتباعه منهج “ماركوس غارفي” الذي يرى أن الأمريكيين السود لن ينتزعوا حقوقهم أو يعيشوا بسلام في أمريكا، لذلك عليهم أن يتحدوا ويعودوا إلى أفريقيا أرض أجدادهم.
واجهت عائلة “مالكوم” عنصرية شديدة بلغت حد حرق منزلهم في أوماها عندما كان طفلاً بعمر عام واحد، مما اضطرت الأسرة للانتقال إلى لانسنغ بولاية ميشيغان، وأحرق منزلهم مرة أخرى، وحين بلغ “مالكوم” عامه السادس فقد والده القس إيرل ليتل الذي قتل على يد جماعة “الكو كلوكس كلان” ودفعه تحت عجلة الترامواي، وكانت العائلة تعلم أن البيض هم من قتلوه، بسبب خطبه المحفزة للسود على العودة إلى وطنهم أفريقيا، وقد وجد مهشم الرأس ممددا على سكة القطار. وتفرقت أسرته بعد وفاة أبيه وأودعت أمه مستشفى الأمراض النفسية لـ 26 سنة.
وحين بلغ 12 عاما تقريبا، طرد “مالكوم” من مدرسـته واقتيد إلى سجن الأحداث، بسبب وضع مسمار على مقعد معلمه الأبيض (اللغة الإنجليزية) احتجاجا على معاقبته له حين دخل الحجرة وعلى رأسه قبعة، وأيضا بسبب احتقاره حين سأله عن حلمه، فقال إنه يحلم أن يصبح محاميا، فأجابه مستنكرا: “يجب أن تفهم أنك زنجي، وأن المحاماة مهنة غير واقعية لك، ونصحه بأن يكون نجارا بدلاً من محام ببشرة سمراء”.
غادر “مالكوم” مدينته عام 1941 إلى بوسطن، ففتحت لـه ذراعيها، وعمل بها ماسح أحذية وغاسل صحون، ثم تعاطى إلى جرائم السرقة والاحتيال وترويج المخدرات فأصبح لصا ووقع في فخ الشرطة مرات كثيرة، وكلّفه آخر سطو له عام 1946 ثمنا باهظا، فقد حكم عليه بالسجن 10 سنوات قبل بلوغه 21 عاماً.
الحالة الأسرية لمالكوم إكس:
تزوج مالكوم إكس بالسيدة بيتي شاباز أو بيتي دين ساندرز وهي إحدى الفتيات التي كانت تنتمي إلى منظمة “أمة الإسلام” يوم 14 يناير 1958م بمدينة لانسنغ بولاية ميشيغان، وبالمصادفة حصلت بيتي شاباز على ليسانس التمريض في نفس اليوم. وله منها ست أبناء وهم: مليكة شاباز، إلياس شاباز، عطا الله شاباز، جميلة لومومبا شاباز، قبلية شاباز، ملك شاباز.
السجن ميلاد جديد لمالكوم إكس:
يقول “مالكوم” في مذكراته لقد قضيت سبع سنوات في السجن، وأتذكر أنني كنت أشتم الحراس وأعطل الصفوف وأسقط طبق الطعام، ولا أرد على مناداتي برقمي بدعوى أنني نسيته. كنت أفعل ذلك بقصد حتى يضعوني في الزنزانة الانفرادية، وغالبا ما كنت أشتم نفسي بصوت عال، وأسب الإنجيل والجلالة، ونظرا لموقفي من الدين فقد أطلق على السجناء اسم الشيطان الذي يسب الإنجيل.
امضى مالكوم سنواته في السجن بالتعلم والقراءة واعتنق الإسلام وتعرف على جماعة “أمة الإسلام” وقائدها إليجا محمد ليخرج بعد أكثر من 6 سنوات وقد تشبع بأفكارها، وكانت تلك أكبر نقطة تحول في حياته وقرر رفض لقب “ليتل” بمعنى الصغير واستخدم لقب “إكس” الذي يعني المجهول في إشارة إلى جذوره المفقودة في إفريقيا.
مالكوم إكس الداعية الثائر ومنظمة “أمة الإسلام”:
“أمة الإسلام”.. دين لذوي البشرة السوداء ظهر تنظيم “أمة الإسلام” في عام 1930 على يد رجل غامض يدعى “والاس فرد محمد”، وقد قام على أنقاض تنظيم آخر انتمى له “والاس”، يسمى “المعبد المغربي العلمي بأمريكا”. وكان تنظيم “المعبد “المغربي” يروج فكرة أن السود الأمريكيين هم من جذور مغربية، وأن شيكاغو قد تصبح مكة الثانية.
ترتكز طائفة “أمة الإسلام” على فكرة أنها دين لذوي البشرة السوداء فحسب، وهي دين مستلهم من الإسلام، وأنه الدين الطبيعي لهم، وهو الوحيد القادر على “إنقاذهم من سيطرة الشيطان الأبيض”. وقد خلف “والاس فارد” في العام 1934 رجل يدعى “إليجاه محمد”، وأصبح بمثابة نبي للسود.
وفي العام 1948 تلقى رسالة من أخيه يقول لـه فيهـا إنــه اهتدى إلى الدين الطبيعي للرجل الأسود”، بعد أن التحق بتنظيم يسمى “أمة الإسلام”، ودعاه للانضمام له.
قضى “مالكوم” 7 سنوات من حكمه، ثم أطلق سراحه عام 1952، ولم يكن حينها عضوا بالمنظمة، لكنه استمع إلـى خطبة “إليجاه محمد”، فكانت كفيلة باتخاذ قراره للانضمام رسميا إلى المنظمة، وتدرج في مناصبها حتى أصبح المتحدث الرسمي باسمها.
ساهم بخطابه المفوه والمؤثر وكلماته الرنانة وشخصيته الفذة في تضاعف أعداد أعضائها من 500 عضو إلى 30 ألف عضو خلال فترة قصيرة ما جعل الآلاف من الأمريكيين يتأثرون بأسلوبه ويعتنقون الإسلام ومنهم الملاكم الشهير “محمد علي كلاي” وتخلص من اسم شهرته “ليتل” باعتباره من بقايا الاستعباد ووضع مكانه “إكس” تعبيراُ عن اسم أسلافه المفقود في رحلة العبودية عندما جاؤوا إلى أمريكا وأصبحوا عبيداً ثم منحوا شهرة أسيادهم التي رفضوها.
منظمة “أمة الإسلام” تبنت خطاباً راديكالياً يرفض العرق الأبيض ويرى استحالة التعايش معه، بخلاف مارتن لوثر كينغ الذي تزامنت معها حقبته النضالية يقول مالكوم “هدف الدكتور مارتن لوثر كينغ هو حث الزنوج على مسامحة الناس الذين جزروا فينا منذ 400 سنة بالهدهدة لهم للنوم وجعلهم ينسون ما أصابهم بسبب البيض”.
ذاع صيت “مالكوم إكس” في الولايات المتحدة الأمريكية وخارجها، وكانت خطبه الحماسية عن العنصرية وشرور الرجل الأبيض قد مكنته من أن يكون سياسيا قادرا على لقاء أهم ساسة العالم. ففي 1959 التقى بزعماء، منهم الرئيس المصري جمال عبد الناصر خلال رحلته إلى مصر وسوريا وإيران والمملكة العربية السعودية وغانا.
صدام منظمة “أمة الإسلام” وشقاق داخلها:
مع تزايد قوة المنظمة وقع الصدام المحتوم مع السلطة ، فتعرض مسلمون سود لاعتداءات من الشرطة زفي عام 1962م وقعت مواجهة مع الشرطة في لوس أنجلوس انتهت بقتل 7 مسلمين بينهم أمين المسجد قال عليهم مالكوم “كانوا ضحايا رصاصات الشرطة ولا يمكنك سوق الضحية إلى المحكمة بصفته مجرما والشرطة هي من كان يجدر بها المثول للمحاكمة” الحادثة تسببت في خلاف مالكوم مع قائد المنظمة إليجا محمد الذي كان يرى تجنب الصدام فخرج مالكوم بخطاب ناري يقوله فيه “ينبغي أن يكون الرجل الأبيض شاكرا لأن الرب منح المبجل إليجا محمد السيطرة على أتباعه الذين ينصحهم بالهدوء والرصانة والاجتماع والاستسلام للرب، هذا يفسر كل شيء، هذه المرة سندافع عن أنفسنا بأنفسنا لا نحتاج احداً اليوم كي يتحدى باسمنا ويقاتل لأجلنا”.
بعد اغتيال كينيدي طلب إليجا من مالكوم أن يتجنب التعليق على مقتله، لكن مالكوم لم يلتزم وهاجمه فجمدت عضويته بالمنظمة، لتبدأ المشكلات الداخلية وصراع المصالح بالظهور داخل الحركة ما دفع مالكوم إلى الانفصال عنها بعد خلاف مع زعيمها إليجا محمد عام 1964م، ليؤسس كياناً جديداً” تحت اسم “مؤسسة المسجد الإسلامي” عام 1965م.
الحج رحلة التحولات الفكرية:
في عام 1964م سافر مالكوم في جولة خارجية كان من أهم ما قام به هو أداء فريضة الحج ولم يُخفِ تأثره بانسجام المسلمين بمكة وعند عودته أطلق على نفسه اسم “الحاج مالك الشاباز”، فلاحظ التنوع العرقي والانسجام بين المسلمين واكتشف أن الإسلام دين المساواة للجميع وليس دين السود كما كان يظن، بعد ذلك زار القاهرة وأعلن إسلامه من جديد بالأزهر الشريف، وتبرأ من منظمة “أمة الإسلام” وبدأ يتبنى فكراً جديداً للمساواة والتعايش بين الأمريكيين وتخلى عن مواجهة العنصرية البيضاء بأخرى سوداء وأسس منظمة “الوحدة الأفروأمريكية”.
وفاته: نهاية مسيرة مناضل بيد رفاق الأمس:
أشعلت التطورات الجديدة التوتر بين مالكوم إكس وجماعته القديمة التي لاحقته قضائيا لإجباره على ترك منزله، ويقول مالكوم على تهديدات إليجا محمد له “أولاً لأنهم خائفون من أن أفضح حقيقتهم، لكن السبب الحقيقي هو أن إليجا محمد قائد التحرك هو أب لثمانية أولاد من 6 فتيات مراهقات كن يعملن سكرتيرات له”، فضح سر إليجا محمد وضع حياته على المحك، وفي 14 فبراير 1965م أضرمت النيران في بيته، وفي 21 من نفس الشهر تم اغتياله في قاعة أودبون في حي منهاتن أشهر حي بمدينة نيويورك بإطلاق وابل من الرصاص عليه من طرف مجموعة تابعة لـ “أمة الإسلام” بينما كان يلقي إحدى خطبه الدعوية إلى الإسلام ليلقى حتفه عن عمر يناهز 39 عاماً.
يقول تلميذ كان حاضرا حينها في رواية أدلى بها لاحقا لصحيفة نيويورك تايمز:
“ما إن سمعت صوت الطلقات حتى اعتقدت أننا في وسط كابوس حقيقي. رأيت مالكوم يسقط أرضاً، وسط صراخ الحاضرين وصوت الرصاص الذي تردد في القاعة”.
ويكاد يجمع الشهود والمؤرخون على ان مشهد الاغتيال كان خاطفا ودمويا، حيث تعرض مالكوم إكس إلى وابل من الرصاص على مسافة قريبة للغاية. وتشير التقارير الجنائية إلى أن جسده أصيب بأكثر من 20 عيارا ناريا غالبيتها في الجزء العلوي من الجسم. وبذلك نفذ الاغتيال من أكثر من شخص واحد وقد يكون الاغتيال كان منسقا مسبقا
هكذا انتهت حياة رجل جاهد لأجل ما اعتقد انه تحرير لشعبه على وقع الطلقات أنهت خطابه قبل أن يكتمل وأوقعت مشروعه السياسي والاجتماعي الوليد في لحظة مفصلية من تاريخ الحقوق المدنية.
من أهم مقولاته:
“الرجل لا يُعرَفُ حقا إلا حينما يواجه التحديات التي تهدد مبادئه”
“لماذا يقال نحن نكره البيض لا نحن لا نكره أحداً نحب شعبناً لدرجة أنهم يعتقدون أننا نكره من يعامله بظلم”.
“نحن لا نعامل بوحشية لأننا مسلمون، نحن لا نعامل بوحشية لأننا كاثوليكيون، نحن نعامل بوحشية لأننا “السود” في أمريكا”
“أرى أن السجن يأتي بعد الجامعة مباشرة باعتباره أنسب مكان لمن يريد أن يفكر”
“اليوم لا يزال هناك زنوج البيت وزنوج الحقل وأنا من زنوج الحقل” هكذا وصف نفسه بعد ما لاقاه من عنصرية بسبب لون بشرته.
“في حياتي لم أشهد أصدق من هذا الإخاء بين أناس من جميع الألوان والأجناس، إن أمريكا في حاجة إلى فهم الإسلام، لأنه الدين الوحيد الذي يستطيع حل مشكلة العنصرية فيها.
قالوا عن مالكوم إكس
تقول الناشطة سونيا سانشيز ” لقد تكلم علنا وليس وراء الأبواب الموصدة، لقد تحدى أمريكا من أجلنا”
يقول عليه الأستاذ ديريك هاندلي أستاذ في جامعة ويسكونسن ميلووكي “كان يُنظر إليه على أنه لا يعرف الخوف. الطريقة التي تحدث بها لامست الشباب السود، إذ كان رمزاً للرجولة السوداء”
من اهم المصادر:
- مذكرات مالكوم إكس، أليكس هائلي.
- مالكوم إكس: حياة جديدة، مانينغ مرابل.
- أرشيف مكتب التحقيقات الفيدرالي.