ما هي المشكلة الاقتصادية؟

متطلبات العيش كثيرة ومتعددة تتمثل في مجموعة من الأشياء المادية (السلع بأنواعها)، وهي تنقسم إلى سلع حرة (بدون ثمن) تتوافر في الطبيعة لإشباع حاجات البشر منها الهواء والضوء ومياه الأنهار والينابيع وغيرها، وسلع اقتصادية وهي نادرة نسبية مدفوعة الثمن ( الفواكه والخضراوات – الأجهزة الإلكترونية – مواد البناء)، ومجموعة من الخدمات المتنوعة مدفوعة الثمن (المواصلات – الخدمات العامة)، وهي في الواقع مهمة لحياة الإنسان ومكملة لمتطلباته الأخرى، وفي مجملها تتصف بأنها حاجات متعددة وغير محدودة، ولا يستطيع الإنسان مهما بلغت إمكاناته أن يشبعها، فهي حاجات ما أن يشبعها الفرد حتى تظهر له حاجات أخرى. فالمشكلة إذا في محدودية الموارد، فهي لا تكفي لإشباع حاجات الناس جميعهم، فيتفاوت الحصول عليها بين الناس في المجتمع الواحد، إضافة إلى كون هذه الموارد متعددة الاستعمالات مما جعلها مشكلة معقدة، فالفرد في حياته يفاضل بين الاستعمالات المختلفة للسلعة، وعندما يختار شيئًا ما فإنه يضحي بأخرى، ومن هنا ظهرت المشكلة الاقتصادية.
أولاً – تعريف المشكلة الاقتصادية:
سعى مفكرو علم الاقتصاد عبر تاريخ البشرية إلى طرح نظريات علمية اقتصادية في مدارس اقتصادية مختلفة؛ لوضع مجموعة من الحلول لعلاج المشكلة الاقتصادية الناتجة عن ندرة الموارد الاقتصادية النسبية، وتزايد الاحتياجات البشرية لمختلف السلع الاقتصادية، فالمشكلة دائمة ومستمرة، حيث لا يمكن إشباع الحاجات المتزايدة من السلع نظرا إلى محدودية الموارد وتنوع استعمالاتها، ويمكن التعبير عن المشكلة الاقتصادية بالآتي:
(صعوبة تحقيق التناسب والتوازن بين الموارد الاقتصادية المحدودة والحاجات الإنسانية المتعددة والمتفاوتة في أهميتها النسبية).
ثانيا – أسباب المشكلة الاقتصادية في العناصر الآتية:
أولاً: إن الموارد الاقتصادية التي تصنع منها السلع؛ ليشبع بها الإنسان حاجاته المتعددة نادرة، وبالتالي لا يمكنها تغطية الطلب الكلي للمجتمع. وهي تمثل جانب العرض.
ثانيا: إن احتياجات الإنسان من السلع الاقتصادية غير محدودة، إذ أنها تتعدد وتختلف زيادة أو نقصانا من فرد إلى آخر، وهي تمثل جانب الطلب.
ثالثا: الاختيار والمفاضلة إزاء متطلباته المختلفة يجد الإنسان نفسه مضطرًا للمفاضلة بين مجموعة من البدائل المتوافرة من السلع والخدمات واختيار ما يناسبه، فلكل سلعة عدة استعمالات، وعليه تحديد المنفعة التي تحقق الإشباع الملح بالاختيار الصحيح، وهنا تكمن صعوبة المفاضلة بين الخيارات مما يستدعي التضحية ببعض الحاجات مقابل إشباع حاجات أخرى. على أن يتم تحديد حجم التضحية التي سيتحملها بالمقابل نتيجة اتخاذه هذا القرار.
ثالثًا – خطوات حل المشكلة الاقتصادية:
اختلفت الأنظمة الاقتصادية (الرأسمالية – الاشتراكية – المختلطة) عبر التاريخ في اتخاذ قرارات حل المشكلة الاقتصادية، فلكل نظام اقتصادي آلياته وإجراءاته لمواجهة المشكلة. وعليه يمكن تحديد خطوات حل المشكلة الاقتصادية لهذه النظم في الإجراءات الاقتصادية الآتية:
١- ماذا ننتج؟
يجب على المجتمع تحديد مجموعة السلع والخدمات وبالكميات التي تتناسب مع الطلب الكلي لجميع أفراده، على أن تحدد أهميتها وأولوية الإنتاج بناء على طلبات حجم الإشباع المطلوب منها. ويسمى في الاقتصاد “سلم التفضيل الجماعي”.
٢- كيف ننتج؟
يجب على المجتمع التنسيق بين عوامل الإنتاج المختلفة (الأرض – العمل – رأس المال – التنظيم) لاختيار الأساليب الإنتاجية الكفيلة بتحقيق الإنتاج الكلي المطلوب للمجتمع من السلع والخدمات من خلال الإنتاج المحلي (القطاع العام – القطاع الخاص) على أن يتناسب حجم الإنتاج مع نمو عدد السكان في المجتمع، أو العمل على تحديد إجراءات استيرادها من الخارج وفقًا لمنظومة العمل التجاري الدولي (التجارة الدولية).
٣- لمن ننتج؟
تحدد هذه الخطوة طريقة توزيع الإنتاج على المشاركين في العملية الإنتاجية، على أن تضمن طريقة التوزيع تحقيق الاكتفاء من السلع والخدمات المختلفة بحسب تصنيفها في الخطوة الأولى لحل المشكلة الاقتصادية. وأن تراعي عملية التوزيع مقدار المساهمة في الإنتاج لكل عنصر من عناصره وفق طريقة علمية تقيس حجم المساهمة.
رابعًا: مشكلة الاختيار والمفاضلة (منحنى إمكانات الإنتاج):
تعد مشكلة الاختيار والمفاضلة أحد العناصر الرئيسية للمشكلة الاقتصادية ذلك إن الندرة النسبية للموارد الاقتصادية وصعوبة التنسيق أو تحقيق التوازن مع الحاجات المتعددة والمتزايدة لحاجات الأفراد والمجتمع تفرض خيار الاختيار والمفاضلة بين السلع والخدمات، وذلك بتحديد الاحتياجات الملحة للإشباع وفق التصنيف الذي سبق التطرق إليه في حل المشكلة الاقتصادية وعليه يتم تصنيف الحاجات بحسب الأولوية في الإنتاج، مما يعنى المفاضلة بينها وتقديم بعضها على أخرى. ولتوضيح مشكلة الاختيار والمفاضلة سنستعمل منحنى إمكانات الإنتاج Production) Possibilities Curve) كنموذج بياني؛

لبيان الخيارات الإنتاجية أمام المجتمع ووصف العلاقات بين المتغيرات الاقتصادية وبيان القدرات الإنتاجية الحقيقية للمجتمع، مفترضين قيام المجتمع بإنتاج سلعتين فقط وثبات عوامل الإنتاج (على أساس التوظيف الكامل لعناصر الإنتاج في المجتمع). فإذا أردنا إنتاج سلعتين – بالموارد المتوافرة لدينا – القطن والحديد. فيمكن تصوّر وجود مجموعة من الخيارات أمام المجتمع كما هو مبين في الجدول الآتي:
الجدول: إمكانات إنتاج القطن والحديد (بالطن)
البدائل | القطن | الحديد |
أ ب ج د هـ و | صفر 100 200 300 400 500 | 1500 1200 900 600 300 صفر |
يتضح من الجدول (وهذه أرقام فرضية) أنه لو استعملت كل الموارد في إنتاج سلعة (القطن) لأمكن الحصول على 500 طن سنويًا من هذا المحصول، بينما لا يمكن إنتاج أي شيء من سلعة (الحديد)، وكذلك لو خصصت كل الموارد لإنتاج الحديد لأمكن إنتاج 1500 طن في السنة، بينما لا يمكن إنتاج شيء من سلعة القطن. ولا شك أن هذين الوضعين يصوران حالتين متطرفتين إذ بين هذا وذاك توجد خيارات متعددة، حيث يمكن إنتاج مجموعات مختلفة من سلعة القطن والحديد، فمثلاً عندما تنتقل من (أ) إلى (ب) يمكن زيادة إنتاج القطن إلى 100 طن سنويًا، وعندما تنتقل من (ب) إلى (ج) يزداد إنتاج القطن إلى 200 طن سنويًا وهكذا. غير أننا نلاحظ أنه كلما زاد إنتاج القطن كلما قل إنتاج الحديد وهو ما يعرف بمبدأ الإحلال، أي أننا نحل سلعة محل سلعة أخرى. ولا يعني هذا استبدال سلعة بسلعة أخرى، ولكن يتم ذلك بنقل أو تخصيص بعض الموارد المستعملة في إنتاج سلعة معينة إلى إنتاج سلعة أخرى، أي أنه لا يمكن الحصول على المزيد من سلعة ما (القطن) إلا إذا كنا على استعداد للتضحية بجزء من السلعة الأخرى (الحديد). والشكل (۱) يصور لنا مشكلة الندرة بيانيا.

وللوصول إلى هذه الخيارات المبينة في شكل (۱) لا بد أن تكون جميع عناصر الإنتاج مشغلة تشغيلاً كاملا وبأقصى كفاءة. فإذا كنا عند أي نقطة داخل حدود منحنى إمكانات الإنتاج مثل النقطة (ن) فمعنى هذا أن هناك عناصر إنتاج معطلة أو أنها لم تستغل الاستغلال الأمثل، فعند النقطة (ن) يتم إنتاج ۲۰۰ طن من القطن و ٦٠٠ طن من الحديد فقط، بينما يستطيع بالموارد المتاحة نفسها إنتاج المزيد من كلتا السلعتين، أما أي نقطة خارج منحنى إمكانات الإنتاج مثل النقطة (ل) فإنه يصعب الوصول إليها رغم أنها تفوق أي نقطة أخرى على المنحنى، ذلك أن العرض المتوافر من عناصر الإنتاج، وافتراض العمالة الكاملة لهذه العناصر تحد من الوصول إلى مثل هذه النقطة.
ويمكن تعريف تكلفة الفرصة البديلة بأنها التنازل عن إنتاج كمية من سلعة ما في سبيل الحصول على كمية إضافية من سلعة أخرى.
ولكن هذا لا يعني أن منحنى إمكانات الإنتاج لا يمكن أن يتغير. إن منحنى حدود الإنتاج يمكن أن ينتقل بكامله إلى اليمين ويدل هذا على نمو الاقتصاد وتطوره بسبب زيادة عناصر الإنتاج (كزيادة عدد السكان) بحيث يصبح بالإمكان إنتاج المزيد من السلع والخدمات وكذلك يمكن أن ينتقل المنحنى بسبب التقدم التقني بحيث يتسنى إنتاج المزيد من السلع والخدمات بالموارد المتاحة أصلا. ويبين الشكل (۲) هذا التغير الذي يمكن أن يطرأ على منحنى إمكانات الإنتاج.
