تاريخ

سقوط وضياع غرناطة … العوامل والأسباب

في مثل هذا اليوم قبل 531 عاما، سلم آخر ملوك غرناطة، أبي عبد الله الصغير، مفاتيح الحكم إلى الإسبان بعد توقيعه معاهدة الاستسلام مع الملكين الكاثوليكيين فيرناندو وإيزابيلا، يوم 2 يناير 1492م، لتغرب شمس الإسلام عن الأندلس وتنتهي معها الخلافة الإسلامية التي عمَّرت طيلة 8 قرون في شبه الجزيرة الإيبيرية.

كانت عوامل انحدار وسقوط وضياع الأمم قد تشابهت إلى حد كبير في كل فترات الضعف في تاريخ الأندلس، وهذه العوامل نفسها قد زادت بشدة في فترة غرناطة؛ ولذلك كان السقوط كاملاً وحاسماً؛ وكان من هذه العوامل ما يلي:

1. العامل الأول:

كان الإغراق في الترف، والركون إلى الدنيا وملذاتها وشهواتها، والخنوع والدعة والميوعة، هي أولى العوامل التي أدت إلى تلك النهاية المؤلمة، وقد ارتبطت كثيراً فترات الهبوط والسقوط بكثرة الأموال والانغماس في الملذات، والميوعة الشديدة في شباب الامة، والانحطاط الكبير في الأهداف؛ قال تعالى:

﴿وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ(11) فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُم مِّنْهَا يَرْكُضُونَ (12) لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَىٰ مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ (13)﴾ سورة الأنبياء: الآية 11-13.

وهكذا يا أهل غرناطة، أين ستذهبون؟ وإلى أين ستركضون؟ ارجعوا إلى قصر الحمراء، وارجعوا إلى مساكنكم وما أترفتم فيه، وسلموا هذه البلاد إلى النصارى، وتذوقوا الذل كما لم تعملوا للعزة وللكرامة !!

2. العامل الثاني:

ترك الجهاد في سبيل الله، وهو أمر ملازم لمن أغرق في الترف؛ فالجهاد سنة ماضية إلى يوم القيامة، وقد شرعه الله ليعيش المسلون في عزة ويموتون في عزة، ثم يدخلون بعد ذلك الجنة ويخلدون فيها.

وإن الناظر إلى عهد الاندلس ليتساءل: أين أولئك الذين كانوا يجاهدون في حياتهم مرة أو مرتين كل عام، وبصفة مستمرة ودائمة؟ ! أين يوسف بن تاشفين، وأين أبوبكر بن عمر اللمتوني؟ وأين الحاجب المنصور؟ وأين عبد الرحمن الناصر وغيرهم؟.

وإنها لعبرة وعظة حين ننظر إلى ملوك غرناطة، ومن كان على شاكلتهم حين ذلوا وأهينو لما تركوا الجهاد في سبيل الله؛ يقول تعالي: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ ۝ إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ التوبة:38-39.

كانت هذه هي أهم عوامل السقوط في دولة الأندلس، وهناك غيرها الكثير مثل:

  • الفرقة والتشرذم
  • موالاة النصارى واليهود والمشركين:

وقد قال سبحانه وتعالى: ﴿ وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ﴾ البقرة: 120.
توسيد الامر لغير أهله: وكان ذلك واضحاً جدا خاصة في ولاية هشام بن الحكم، وولاية الناصر بعد أبيه يعقوب المنصور الموحدي، وأيضا، ولاية جميع أبناء الأحمر في ولاية غرناطة.

  • الجهل بالدين:

وقد وضح جيداً قيمة العلم والعلماء في زمن عبد الله بن ياسين، وزمن الحكم بن عبد الرحمن الناصر، وما حدث في عهدهما من قوة بعد هذا العلم، أثر الجهل في نهاية عهد المرابطين، وفي عهد دولة الموحدين، حيث انتشر الجهل بين الناس، وسادت بينهم آراء ومعتقدات غريبة وعجيبة، وكان من ذلك أيضاً- ما حدث من الجهل بأمر الشورى، وهو أصل من الأصول التي يجب أن يحكم بها المسلمون، وكيف اعتدوا بآرائهم، وكيف قبل الناس ذلك منهم؟ !!

ومثل ما كان من غزو محد بن الأحمر الأول لإشبيلية، وقد تبعه الناس ذلك؛ ظناً منهم أنهم على صواب، وأنهم أصحاب رسالة وفضيلة، وأي جهل بالدين أكثر من هذا؟ !!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *