تاريخ

ما لا تعرفه عن النيجر الطبق الأخير على مائدة فرنسا

لم يكن 26 يونيو من سنة 2023 يوماً عاديا في دولة النيجر، 9 ضباط من كبار أعضاء الحرس الوطني والرئاسي يقفون في مشهد مهيب خلف الكولونيل “أمادو عبد الرحمن” الذي أعلن عبر التلفزيون الرسمي للبلاد عن الإطاحة بالرئيس محمد بازوم واحتجازه في القصر الرئاسي بالعاصمة نيامي هو وأسرته ووزير خارجته ومع فرض حظر التجول وإغلاق الحدود البرية وتعطيل المؤسسات الدستورية وتشكيل مجلس عسكري كحالة انتقالية يرأسها الجنرال “عمر تشياني” قائد الحرس الرئاسي والذي تشير وكالة الأنباء الفرنسية أنه من دبر الانقلاب بعد علمه بنية الرئيس محمد بازوم لإقالته.

  • هل نجح الانقلاب بالفعل؟
  • أما أن الأمور لم تحسم بعد؟

الجنرال عبد صديق عسى رئيس أركان الجيش أعلن دعمه لقادة الانقلاب “حقنا للدماء” على حد تبريره وهذا يزيد الموقف تعقيداً ويجعل الكفة تميل لصالح قادة الانقلاب. لكن هناك أطراف أخرى في القضية خارج حدود النيجر عدد من الدول العربية والأجنبية لهم مصالح استراتيجية باتت مهددة سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو العسكري. وعلى إثر ذلك لم تتوقف التنديدات والإدانات الدولية للانقلاب وتوالت من كل حدب وصوب.

1. سقوط آخر الحلفاء للاحتلال الفرنسي بإفريقيا:

شعرت باريس بالتهديد الجدي لمصالحها الاستراتيجية في منطقة الساحل وحرصها على دعم حلفاءها الملتزمين بحماية تلك المصالح فسقوط بازوم يعد ضربة قوية لمصالح فرنسا في المنطقة حيث يعتبر حليفا مهما وشريكا لها في الاتفاقات العسكرية التي تنشر بموجبها 1500 جندي عسكري هناك. ففقدان النيجر تضيع فرنسا ما استثمرته في مستعمراتها الافريقية على مدى العقود الماضية خصوصا دولة مالي وبوركينافاسو ودول أخرى مجاورة تسببت في تأثير فرنسا وتقليص نفوذها بسبب سلسلة الانقلابات التي تعرضت لها تلك البلدان.

النيجر رغم كونها آخر حليف لفرنسا في المنطقة إلا أنها تمتلك أهمية استراتيجية بانتاجها حوالي 5% من إمدادات اليورانيوم في العالم يلعب اليورانيوم دورا حيويا كوقود للمفعلات التي تولد الكهرباء النووية، وفرنسا من أبرز المستعملين للكهرباء النووية في العالم وتلبي حوالي 70% من احتياجاتها الكهربائية اعتماداً على اليورانيوم وليس فرنسا الوحيدة المستفيدة من اليورانيوم القادم من النيجر بل تصدره إلى ألمانيا وتعتمد دول الاتحاد الأوروبي في 25% من احتياجها على تلك الكهرباء النووية لذلك تبنى الاتحاد الأوروبي موقفا حازما ضد الانقلاب في النيجر وطالب الجيش بالعودة إلى ثكناته وإعادة السلطات الدستورية خلال 15 يوماً وأعلن بوريل ممثل الشؤون الخارجية للاتحاد الأوربي رفضه التام للانقلاب وتعليق التعاون الأمني مع النيجر مع وقف جميع المساعدات المالية المقدمة لها.

قال بوريل “إن محمد بازوم انتخب ديمقراطياً ويبقى الرئيس الشرعي الوحيد ويجب الإفراج عنه دون شروط ودون تأخير”

2. أعلام روسيا في شوارع النيجر:

“ما حدث في النيجر ليس سوى صراع شعب النيجر مع المستعمرين، الذين يحاولون فرض قواعدهم عليهم وإبقاهم في الحالة التي كانت عليها إفريقيا منذ مئات السنين… اليوم النيجر تكسب استقلالها” ظهور هذا التصريح لرئيس مليشيات فاغنر بريغوجين أثار تساؤلات والشكوك حول علاقة روسيا بما يجري في النيجر واحتماللعب روسيا دوراً على مسرح أحداث النيجر تزامنا مع احتضان سان بيتسبورغ الروسية قمة روسية إفريقية كان محمد بازوم مدعو إليها لكنه لم يحضر بالطبع.

كما أن هناك حشود شوهدت في شوارع النيجر تلوح بأعلام روسيا وتهتفون بسم مجموعة فاغنر احتفالا بالانقلاب لدى ما يحدث في النيجر يمكن أن يكون جزءاً من أجندة السياسة الخارجية لروسيا في أفريقيا لتوسيع نفوذها والتضييق على الغرب المتحالف مع رئيس النيجر المحاصر في القصر.

3. افتكاك السلطة بالنيجر جعلت دول عديدة على خط النار:

الدول العربية المجاورة للنيجر تعاني قلقاً بالغاً إزاء التحديات المحتملة لما يحدث في النيجر ليبيا من بين الدول العربية الأكثر تأثيراً بالانقلاب والجدير بالذكر أن محمد بازوم من أصول ليبية ينتمي لقبيلة أولاد سليمان الليبية، إذا انجرفت النيجر إلى الفوضى ستشهد طرابلس تدافعا كبيرا للنازحين ما يضع ليبيا في موقع صعب نظرا لعدم تمتعها بالإمكانيات الكافية لحماية حدودها. وما يزيد الأمر خطورة هو احتمال عودة داعش لنشاطه الإرهابي  على محور نيجيريا-النيجر-ليبيا الذي يمكن من خلاله الوصول إلى العراق وسوريا إذ تعتبر النيجر نقط عبور رئيسية للعناصر المتطرفة.

وأذانة الجزائر الانقلاب محدرتا من أنه سيزيد من عدد المهاجرين إليها خاصة أنها تعد البلد الأغنى بين دول منطقة الساحل، كما تعتبر النيجر ممرا مهما لها نحو إفريقيا الوسطى وانهيار النيجر يهدد استراتيجية الجزائر لتعزيز صادراتها إلى القارة الإفريقية بشكل عام وخصوصا من خلال مشاريعها كمشروع الطريق العابر للصحراء الذي يربط الجزائر بنيجيريا عبر النيجر بالإضافة إلى مشاريع أخرى المشتركة بين الجزائر والنيجر التي باتت مهددة بسبب الانقلاب.

ورغم عدم وجود حدود مباشرة بين السودان والنيجر إلا أن بينهما بحرا مفتوحا من الرمال وقبائل مترابطة عرقيا أو مذهبيا، وفي الوقت التي تشتعل المواجهة بين حمدتي والبرهان فإن أي انهيار لأمن النيجر سيغذي المواجهة في السودان والعكس صحيح خصوصا أن النيجر تعج بالمرتزقة والباحثين عن الذهب، كما أن قبيلة المحاميد التي ينحدر منها كثير من المقاتلين التابعين لقوات الدعم السريع لها امتداد في جنوب النيجر. هذا التداخل القبلي والمذهبي يعجل تجنيد قوات الدعم السريع لمرتزقة من النيجير مسألة غير مستبعدة.

وكذلك موريطانيا ليس لها حدود مباشرة مع النيجر تفصلهما دولة مالي ومع ذلك فإن موريطانيا قلقة بشكل كبير إزاء الانقلاب الذي طال الرئيس محمد بزوم ذلك أن البلدين عصوان في مجموعة دول الساحل الخمس التي شكلتها فرنسا لتنسيق جهود مكافحة الإرهاب في المنطقة، وتعتبر موريطانيا الدولة الوحيدة في مجموعة دول الساحل الخمس التي تتبع نظاماً ديمقراطيا دستوريا ولا يقودها نظام عسكري أو انقلابي في حين تحيط بها مجموعة من الدول التي شهدت أنظمتها الديمقراطية انقلابات متكررة كما حدث في مالي والنيجر وبوركينافاسو وتشاد وغينيا سر قلقها هو خشيتها من ان الأنظمة الانقلابية في المنطقة قد تشجع بعض المغامرين العسكريين في موريطانيا لتنفيذ انقلاب على النظام الديمقراطي في بلدهم لا سيما أن الأنظمة المنتخبة في دول الساحل تتساقط بشكل متسارع كقطع الدومينو وقد يكون الدور على موريطانيا القلقة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *