تاريخ

معركة أُقليش …. الزلاقة الثانية بالأندلس

في 29 ماي من سنة 1108 م وقعت واحدة من أهم وأضخم المعارك في تاريخ الأندلس بين المرابطين والقشتاليين سميت في المراجع الإسلامية بمعركة “أقليش وفي المراجع الغربية بمعركة “الكونتات السبعة“، ورغم أنها إحدى المعارك الكبرى فإنها لم تنل نصيبها من الشهرة.

فما هي أسباب هذه المعركة؟ وكيف انتصر المرابطون فيها؟

قبل أن نتحدث عن تفاصيل معركة “أقليــش” دعونا نتعـرف أكثر على الدولة المرابطية. بدأت كحركة أسسها الشيخ عبد الله بن ياسين” في منطقة نائية في السنغال، وفي بداية القرن الـ 11 أصبحت دولــة صغيرة جنوب الصحراء تحت قيادة أســـرة “اللمتوني” وهي إحدى قبائل صنهاجة في موريتانيا، وكان أقوى حكامها الأمير “يوسف بن تاشفين”، فقد أخذت تتوسع في عهده حتى امتدت من مدينة “بجاية” الجزائرية شرقا إلى المحيط الأطلسي غربا ومن “السودان” جنوبا إلى “الأندلس” شمالا.

1. إنقاذ ملوك الطوائف من السقوط:

بينما كان يوسف بن تاشفين يواصل فتوحاته ببلاد المغرب كان المسلمون في الأندلس منقسمين إلى ولايات ويعيشون الويلات بسبب قمع واضطهاد الممالك المسيحية في الشمال، وكان ملوك الولايات الأندلسية يدفعون الجزية للملوك القشتاليين ويقدمون الهدايا حتى ضاق ملوك الأندلس ذرعا من الوضع، فتمردوا وطلبوا المعونة من “ابن تاشفين” رغم خوفهم من أن يهدد ذلك ملكهم.

استجاب الأمير المرابطي لدعوة ملوك الطوائف ووقعت في عام 1086 م معركة “الزلاقة” التي غيرت تاريخ الأندلس بأن مددت حكم المسلمين هناك 4 قرون أخرى بعد أ أن كانوا على شفا الهاوية، وضم “ابن تاشفين” بعض ممالك الأندلس إلــى دولة المرابطين.

2. نصر جديد بعد نصر الزلاقة

بعد 20 عاما من وقعة “الزلاقة” توفي الأمير “يوسـف بـن تاشفين” وعقدت البيعة لولده “علي بن يوسف بن تاشفين” ذي الـ 23 ربيعا، وقد كان عالي الهمة وواسع المعرفة، وبعد البيعة ذهب إلى الأندلس لينظم أمورها، فعيّن أخاه “تميم بن يوسف” قائدا عاما للجيش ثم عاد للمغرب.

كانت هجمات الممالك القشتالية على المسلمين مستمرة، فأرسل الأمير “علي بن يوسف” لأخيه “تميم بن يوسف” أن يستأنف القتال باتجاه شرق الأندلس للقضاء على ثغور الممالك القشتالية فاتجه صوب مدينة “أقليش” الواقعة شرق “طليطلة” التي كانت قد سقطت تحت حكم القشتاليين آنذاك.

3. أحداث معركة أُقليش

في 27 ماي من سنة 1108م حاصر جيش المرابطين مدينة “أقليش”، فطوقها وقوّض دفاعاتها الخارجية، ونتيجة لذلك هرب المدافعون القشتاليون ينتظرون المدد، فأرسل “ألفونسو السادس” ملك قشتالة 3 آلاف مقاتل معهم ابنه وولي عهده الوحيد سانشو” (15 عاما) وحاشيته المكونة من 7 أمراء.

وفي يوم 29 ماي 1108 م بدأت المعركة وكان الجيش المرابطي متماسكا ومنظمــا يدعمه الرماة، وخلال المعركة انسحب الجنود القشتاليون إلى معسكرهم فحاصرهم المرابطون من الخلف، ولم تستطع القوات القشتالية الصمود أمام تكتيكات الجيش المرابطي الذي ألحق بهم هزيمة ساحقة.

4. حسرة “ألفونسو السادس” على ابنه

خلال المعركة توفي ابن ملك قشتالة الوحيد “سانشو” حاشيته المكونة من 7 أمراء، ولذلك أطلق عليها اسم معركة “الكونتات السبعة”، وحسب المراجع التاريخية فإن “ألفونسو السادس” مات بعد عام من المعركة حسرة على ولي عهده، ولكنه رتب زواج ابنته الأرملة “أوراكا” من “ألفونسو الأول “حاكم مملكة “أراغون” (1104 – 1134 م) لكي يكملوا المواجهة العسكرية ضد المسلمين.

5. “سانشو” ابن زائدة الأندلسية

ولي العهد الذي طال انتظار ملك قشتالة له كانت أمه أندلسية تدعى “زائدة” اعتنقت المسيحية وأسمت نفسها “إيزابيل” وأنجبت لـ «ألفونسو السادس” ابنتــــان وابنــــــه “سانشو”، وقد اختلف المؤرخون الأندلسيون والإسبان حول قصتها، فيقول الأندلسيون إنها هربت من “إشبيلية” إلى ملك قشتالة.

أما الإسبان فيقولون إن “المعتمد بن عباد” خاف على ملكه عندما داهم المرابطون “إشبيلية”، فتحالف مع ملك قشتالة بأن أرسل له ابنته “زائدة” هدية ليساعده في صد المرابطين، وقد رفض أهل “إشبيلية” فعلته، وهذه الرواية لو صحت فإنها تدل على عظيم الفوضى الذي كانت تعاني منه ممالك الأندلس.

6. سميت معركة أقليش الزلاقة الثانية

بعض المؤرخين يصفون معركة “أقليش” بـ «الزلاقة الثانية” كونها عززت قوة المسلمين في الأندلس، ومكنتهم من فتح “مجريط” مدريد (حاليا ووادي الحجارة وقلعة “هنارس”، وفتحوا أراض برتغالية مثل “بطليوس” و”يابرة” و”أشبونة”.

ورغم ما كان يخطط له “ألفونسو السادس” من اتحاد الممالك المسيحية واستمرارها بالقتال ضد المسلمين بتزويج ابنته “أوركا” من ملك “أراغون” فإن ما حدث العكس، فقد وقعت حروب أهلية لأعوام بدّدت وحدتهم ضد المسلمين.

بعض المراجع المعتمدة:

  • محمد عبد الله عنان، كتاب “دولة الإسلام في الأندلس عصر المرابطين والموحدين في المغرب والأندلس”
  • يوسف أحمد بني ياسين، كتاب “بلدان الأندلس” في أعمال ياقوت الحموي الجغرافية، دراسة مقارنة،
  • رواية “أنا أندلسي” لفراس راشد 2020م
  • طارق السويدان، كتاب “الأندلس التاريخ المصور”
  • كتاب ” موسوعة أكسفورد للحروب في العصور الوسطى والتكنولوجيا العسكرية”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *