تاريخ

موضوع حول المواجهة العالمية الثانية والتغيرات السياسية في العالم

استطاعت المواجهة العـالمـيـة الثـانـية (1939-1945م)، أن تغير من السياسة الدولية لصالح الولايات المتحدة الأمريكية، تـجلت في:

   1 – المؤتمرات:

وضع ساسة الدول الكبرى أثناء وقبل وبعد انتهاء المواجهة أسسا مؤقتة للسلام العالمي، وتشديد الضغط على دول المحور حيث تركز اهتمام الحلفاء على الجانب العسكري بغية تحقيق وكسب عالم ما بعد المواجهة. وأول لقاء هو:

أ – لقاء الأطلسي: اللقاء الذي تم بين “روزفلت – تشرشل” في أوت 1941، وخرجا ببيان أطلق عليه فيما بعد “ميثاق الأطلسي” وأعربا فيه عن كونهما لا يطمحان إلى أي توسع إقليمي،كما يتعهدان بعد الانتصار بترك كل الشعوب تقرر مصيرها بنفسها دون ضغط أو إكراه.

ب – مؤتمر طهران ديسمبر 1943: إلتقى في هذا المؤتمر الثلاثة الكبار: (روزفلت – تشرشل “Winston Churchill” (1874 – 1965) – ستالين “Joseph Staline” (1879 – 1953) ومحور اللقاء هو مصير ألمانيا بعد المواجهة، وقبلوا جميعا باقتراح من “تشرشل” توسيع “بولونيا” غربا حتى نهر الأودر.

جـ – مؤتمر يالطا جانفي 1945: حضره الثلاثة الكبار “روزفلت – تشرشل – ستالين” وكان هذا المؤتمر حاسما، لأنه جاء في وقت كانت فيه الهزيمة الألمانية أمرا مفروغا منه وفي وقت أصبحت فيه قوات الجيش الأحمر الروسي في مركز قوة نتيجة تقدمها بسرعة في أراضي أوربا الشرقية وألمانيا، مما جعل “ستالين” يمارس ضغطا على الأمريكيين والبريطانيين واتفقوا على:

* مبدأ الحرية لكل الشعوب في اختيار حكوماتها.

* اجتماع الإرادة الدولية تغيير أنظمة الدول الأوروبية إلى أنظمة ديمقراطية في كل أوربا، لكن دون تحديد مفهوم الديمقراطية وشكلها.

* فرض على” بولونيا لروسـيا ” التنازل عن المناطق التي أخذت منها سنة 1921 وتعويضها بامتداد حدودها غربا على حساب “ألمانيا” حتى نهر الأودر بعد المواجهة العالمية الأولى.

2 – خريطة العالم بعد المواجهة العالمية الثانية:

شهدت خريطة العالم تغيرات جديدة بعد المواجهة العالمية الثانية نتيجة الغلبة والأمر الواقع، حيث شهدت الحدود في أوربا تغيرات واسعة ماعدا حدود الدول المستعمرة في كل من إفريقيا وآسيا، حيث اتفق الحلفاء أثناء إنعقاد (مؤتمر بوتسدام في 17 جويلية 1945) على عقد معاهدات صلح مع هذه الدول تضمنت تغيرات في حدودها السياسية مع فرض غرامات مالية كـتعويضات. وهذه المعاهدات هي:

أ – معاهدة الصلح مع إيطاليا في 10 فبراير 1947 نصت على:

  • أعيدت حدود إيطاليا إلى ما كانت عليه سنة 1938، مع إجراء تعديلات فيها لصالح فرنسا ويوغسلافيا.
  • تنازلت إيطاليا لليونان عن جزر الدوديكانيز.
  • اعترفت إيطاليا باستقلال الحبشة وألبانيا.
  • التنازل عن مستعمراتها السابقة (ليبيا، أرتريا والصومال) وأعلنت “ليبيا” دولة مستقلة سنة 1951، وضمت أرتريا سنة 1952 إلى الحبشة، وقررت هيئة الأمم المتحدة أن تمنح “الصومال” استقلالها سنة 1960.

ب – معاهدات الصلح مع كل من (المجر، بلغاريا ورومانيا) سنة 1947: ونصت هذه المعاهدات على دفع غرامات مالية كتعويضات، ففرض على “بلغاريا” دفع غرامة تقدر بـ 70 مليون دولار، المجر 300 مليون دولار، ورومانيا 300 مليون دولار. كما شهدت دول شرق أوربا تغيرات جذرية في حدودها بعد المواجهة العالمية الثانية وكانت على النحو التالي:

  • تنازلت “رومانيا” عن منطقة “بسارابيا” لروسيا واسترجعت منطقة “ترنسلفانيا” من المجر.
  • فقدت بلغاريا واجهتها على بحر ايجه.
  • تنازلت بولونيا عن “روسيا البيضاء واكرانيا” لروسيا وأخذت بالمقابل الجزء الشرقي من ألمانيا حتى نهر الأودر.
  • تنازلت كل من تشيكوسلوفاكيا وفنلندا عن أجزاء من أراضيها لروسيا.

كما أقيمت في هذه الدول وهي: بلغاريا، المجر، رومانيا، بولونيا، تشيكوسلوفاكيا، ألبانيا، يوغسلافيا، ألمانيا، ديمقراطيات شعبية اتخذت لها دساتير مماثلة لدستور الاتحاد السوفياتي وأخضعت بدرجات متفاوتة لنفوذ روسيا، والمستفيد من هذه التغيرات هي روسيا، حيث حسنت مركزها على بحر البلطيق، وأخذت اخصب الأراضي من “بولونيا، رومانيا وفنلندا ” كما استرجعت كل أراضيها التي كانت قد فقدتها غداة قيام الثورة الـشيوعية 1917.

جـ – معاهدة الصلح مع اليابان في 11 ديسمبر 1951: أمضى هذه المعاهدة الحلفاء الغربيون دون الاتحاد السوفياتي، وتنازلت بمقتضاها عن جميع مستعمراتها، مع بقاء الإشراف الأمريكي عليها، وإقامة قواعد عسكرية أمريكية بها.

د – معاهدة الصلح مع النمسا في 15 ماي 1955: تم بمقتضاها إنهاء احتلال الحلفاء لأراضيها، والاحتفاظ بحدودها المورثة سنة 1919.

3 – انتقال الزعامة والسيادة الدولية:

أ – إن نظام الحكومات الأوربية القديمة الذي زعزعته أحداث المواجهة العالمية الأولى، ثم المواجهة العالمية الثانية تغير، فانتهت ” فرنسا ” كدولة كبرى في العالم، ودب الضعف في النفوذ البريطاني ولم تعد بريطانيا قادرة على اتباع سياستها التقليدية.

ب – هزيمة دول المحور وانهيار النظام الفاشي في إيطاليا والنازي في ألمانيا والعسكري في اليابان، والعودة إلى النظام الديمقراطي البرلماني في أوربا الغربية.

جـ – منذ انعقاد مؤتمر باريس في 15 أكتوبر 1946، بلغ الخلاف أقصاه، وقد تـجلى في انقسام أوربا إلى كتلتين: شرقية وغربية، وعندها انقسم العالم إلى معسكرين رئيسين هما:

* المعسكر الشرقي: بزعامة الاتحاد السوفياتي، وبروز الصين كدولة شيوعية لها أهميتها في المجال الدولي.

* المعسكر الغربي: بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية.

وأصبحت هاتان الدولتان ترسمان سياسة العالم، وتتنافسان على السيطرة عليه وزاد من نفوذهما أنهما تزعمتا العالم في التقدم التكنولوجي.   

وما سبب انتقال الزعامة والسيادة الدولية إلى العملاقين الجديدين إلا نتيجة تحسن في مركزهما السـياسي والاقتصادي، ومكانتهما الدولية، والتغير الواسع في ميزان القوى، فالولايات المتحدة الأمريكية متخمة ماديا وسياسيا من المواجهة، كما شاركت في تحرير أوربا الغربية، ومن ثم ملكت قوة اقتصادية هائلة، ورصيدا معنويا بين الدول الغربية أهلها لاحتلال مركز الزعامة والصدارة الدولية، بينما الاتحاد السوفياتي اتسع نفوذه الشيوعي في دول شرق أوربا، وكسبت مكانة أهلته لكسب شعبية في غرب أوربا.

كما استطاع العملاقين التخلص من عزلتهما السياسية، وشرعا في التطلع إلى التوسع السياسي والاقتصادي منذ سنة 1947 إلى مناطق النفوذ الحيوية ذات الموارد والمواقع الاستراتيجية. وهذا ما عرف (بالمواجهة الباردة) التي اسـتخدمت فيها (الدعاية والمال) على شكل مشاريع اقتصادية مقنعة. وهذه المواجهة زادت من التوتر في العلاقات الدولية.

4 – انتشار موجه التحرر في العالم الثالث:

في هذا الجو المشحون بالتوتر الخطير على مصير البشرية، كانت الآمال معلقة على هيئة الأمم المتحدة، كجهاز للأمن والسلم العالميين. إلا أن سيطرة الدول الكبرى عليها لا سيما الولايات المتحدة، منع هذه الأخيرة من القيام بواجباتها مثلا: أزمة الشرق الأوسط والعدوان الصهيوني على البلاد العربية، خاصة القضية الفلسطينية العادلة.

كم اشتد ساعد النضال في البلدان الإفريقية والآسيوية من أجل التحرّر من الاستعمار بشكليه القديم والجديد، وانتشرت موجة التحرر في كل دول العالم التي تطمح إلى الحرية والاستقلال مستفيدة من تنافس الدول الكبرى، وساعد ذلك على استقلال عدد من الدول من بينها: سوريا ولبنان سنة 1946، والهند والباكستان 1947، ثم واصلت هذه الدول الصغيرة نضالها السياسي والعسكري من أجل الظفر بالاستقلال، حيث استفادت من وجود أكثر في الأمم المتحدة، بعدما خرجت الدول الاستعمارية ضعيفة من المواجهة العسكرية، وزيادة حدة الصراع الفكري بين الشرق والغرب، و كان انشغال دول العالم الثالث في نهاية المواجهة العالمية الثانية مركزا تجاه النضال من أجل البناء السـياسي وانتزاع الاستقلال قبل البدء في معركة التنمية الاقتصادية، رغم خضوع هذه الدول ( للحرب الباردة) إلى أن ظهرت حركة (عدم الانحياز) سنة 1961 والتي تدعو إلى التعايش الـسلمي والتزام الحياد الإيجابي ونضالها السياسي والاقتصادي، وعدم الخضوع للأحلاف العسكرية.

إن الأوضاع والعلاقات الدولية بعد المواجهة العسكرية العالمية الثانية قد طرأ عليها تغير جدري فتلاشت قوة الدول الاستعمارية القديمة التي هزتها أحداث المواجهة العالمية الثانية وانتهت ألمانيا التي كانت تطمح لسـيادة القارة الأوربية وزعامتها، وفقدت كل هذه الدول قوتها الاقتصادية ومركزها السياسي، بعدما كانت تتمتع بقوة أساسية في المحافل الدولية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *