تاريخ

موضوع حول نشأة المدينة وتطورها

المدينة عبارة عن مجال ذي مضمون اقتصادي واجتماعي وثقافي وحضاري معقد ومتميز، ذلك أنها تمثل تكتلا  مجاليا في نقطة معينة لعدد من السكان ووسائل الانتاج والرأسمال وقاعدة تركز لكثير من القطاعات  الانتاجية (كالصناعة التقليدية) والحديثة وأحيانا الفلاحة، والأنشطة التدبيرية، إضافة للوظائف الثقافية والإدارية والاجتماعية، الشيء الذي يفرز نمطا فريدا للعيش والتعامل وإطارا عمرانيا خاصا من أهم مميزاته التنوع والتباين والكثافة والامتداد.

فالمدن تختلف حسب الحقبة التاريخية التي أنشأت فيها(في المغرب نميز بين المدن المسماة بالتقليدية والتي كانت موجودة قبل دخول الاستعمار والمدن الحديثة التي أنشأت فيما بعد، وحسب حجمها الديموغرافي ومساحتها(مدن صغيرة، ومتوسطة، وكبيرة، وكبيرة جدا)، كالمجموعات الحضرية أو المجمعات المدنية، ووزنها الاقتصادي ومرتبتها الادارية  والتسييرية ومكانتها الجهوية وأخيرا حسب نوع الوظائف الموكلة لها.

فهناك اختلاف لتنظيم المدن حسب الماضي التاريخي للبلاد، بالنسبة للمغرب: أهمية الحضارة العربية الإسلامية، وأهمية الاستعمار الفرنسي والاسباني، نظرا لوقعه العميق على مستوى هيكلة التراب الوطني، وحسب نوع النظام الاقتصادي والسياسي والاجتماعي السائد(دول رأسمالية، دول اشتراكية، دول العالم الثالث ذات الاقتصاد الليبرالي أو المخطط.  

  1. نشأة المدينة وتطورها
  2. نشأة المدينة

1. تتطلب نشأة المدينة تستوجب نوى للتحقق:

  • النواة الاجتماعية: ذلك أن الانسان مضطر إلى الاجتماع بغيره، حتى تتكون هيئة اجتماعية يتوقف عليها المأكل والملبس، لكن الإنسان ليس وحده المدني الذي يتميز بخاصية الاجتماع، وإنما تشاركه هذه الرغبة بعض أنواع الحيوانات: النمل، والنحل، والحيوانات الأخرى….
  • النواة الدينية: تتجلى في كون الانسان الأول ارتاد بعض الكهوف لمزاياها الطبيعية، ومع الوقت تحولت إلى هياكل تؤدى فيها الطقوس الدينية خصوصا أنها زينت بالرموز ورصعت بأشكال فنية، فمنذ بدأ الانسان يفكر في التجمع في كهف أو مغارة كأن يبني لأمواته مدنا يستقرون بها، لذلك يمكن القول أن النواة الدينية ومدينة الأموات كانت بذورا نمت فأنتجت المدينة.

فقد مرت المدينة بعملية التحول من دور الكهف إلى دور القرية ثم المدينة، إذ أن كل مدينة كانت في بداية أمرها عبارة عن قرية غير محصنة ثم أحيطت بسور وقناة، فصارت مدينة، فالبيت والصهريج والطريق العام وقواعد الآداب والحكومة والقانون نشأت أول الأمر بالقرية ثم حلت كلها بالمدينة.

2. تطور المدينة

ساهمت عدة عوامل في تطور المدينة أهمها العوامل الخارجية، المتمثلة في نمو الحاجيات التي أوجدت الجندي والمصرفي وأوجدت الآلة الصناعية المتطورة، كما ارتبطت نشأة المدينة أيضا بوجود مؤسسات تعليمية منها العتيقة والحديثة، ذلك أن تطور الانسان يتعلق حتما بتنوع معارفه وثقافاته، بحيث لا تخلو مدينة من مدارس أو معاهد أو جامعات التي تساهم في إغناء الفكر الإنساني وجعله يسعى إلى تطوير العديد من أساليب حياته داخل المدينة، وهذه النواة التعليمية، التربوية كانت إلى جانب النوى الأساسية الأخرى التي تحدد معايير نشأة المدينة عبر تاريخ البشرية.

فالمدينة لم تخلق من عدم، بل إنها تعد سجلا حافلا بحضارة الانسان وصورة لتفاعله مع الطبيعة ومع أخيه، يسكنها شعب يمتاز بتنوع عمله التجاري أو الصناعي أو المصرفي، يخضعون لقانون واحد ولعادات واحدة ويعيشون في ظل حاكم عادل، ونرى بأن المدينة عبر التاريخ تنمو وتتطور من حيث سكاني وعمرانها وتجارتها وصناعتها، بحيث لازالت المدن الكبرى إلى حد الآن تعرف تطورات كبيرة مثل باريس ونيويورك وبكين ولندن ودبي والدار البيضاء ….، فكلما ازداد عدد السكان، تظهر حاجيات جديدة وبالتالي تحولات كبرى تساهم في تطور المدينة.

3.معايير تحديد مفهوم المدينة

تعدد معايير تحديد مفهوم المدينة، فالمدينة ظاهرة جغرافية متطورة و متغيرة في الزمان و المكان وقد أدى هذا إلى ظهور تعاريف مختلفة و متعددة لها تنطلق من معايير مختلفة أهمها:

  1. المعيار الأول: نوعية النشاط: فالمدينة هي التي يقوم اغلب سكانها بأنشطة القطاع الثالث أي أن معظم سكانها يشتغلون في الصناعة والتجارة و الخدمات.
  2. المعيار الثاني :عدد السكان: يختلف هذا العدد من دولة إلى دولة أخرى و بالتالي يستحيل تحديد العدد الذي يمكن أن نميز به ما بين المدينة و القرية، فالمدينة في فرنسا مثلا هي التي يفوق عدد سكانها 2000 نسمة. أما في الولايات المتحدة الأمريكية فهي التي يفوق عدد سكانها 2500 نسمة. أما المدينة في السويد فهي التي يتجاوز عدد سكانها 200 نسمة، وفي اليابان المدينة هي التي يبلغ عدد سكانها 30000 نسمة، أما في المغرب فقد حدد عدد السكان لإضفاء صفة مدينة  في 1500 نسمة.
  3. المعيار الثالث: المنظر المورفولوجي: تختلف مميزات المدينة عن مميزات القرية بكونها عبارة عن نسيج متصل و كثيف من البنايات التي تتجمع في رقعة محدودة و تختلف من حيث أهميتها عن مثيلاتها في القرى.
  4. المعيار الرابع : المعيار الإداري: يمثل هذا المعيار أحيانا المعيار الأساسي و الوحيد في تحديد تعريف المدينة في بعض الدول كما هو الشأن في اليابان و تركيا و المغرب و العراق، بحيث يعتمد هذا الأساس الإداري على مجموعة من الشروط لإضفاء صبغة المدينة على تجمع سكاني كالمرافق الاجتماعية مثلا: مستشفى، مستوصف، شبكة الماء الصالح للشرب، شبكة الواد الحار، ثانوية، محكمة، الشبكة الكهربائية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *