ما هي التنمية البشرية؟
فقد برز مفهوم التنمية البشرية ( Human Development ) في العقد الأخير من القرن الماضي وذلك بسبب تزايد الاهتمام بمفهوم حقوق الإنسان إضافة الى تنامي الوعي بقيمة الإنسان ودوره في منظومة التنمية الشاملة، إضافة الى إدراك الأمم والشعوب بأنه لا تنمية اقتصادية او سياسية او اجتماعية دون تنمية الانسان وذلك بتعليمة وتثقيفة وتدريبة على كل الفنون والمهارات التي تساعده وتساعد مجتمعه على النهوض والتطور، فالإنسان هو الفاعل الأول والأخير في هذا الكون خاصة اذا ما أدركنا ان الكون موجود لخدمة الإنسان ومسخر له وذلك تجسيدا لمفهوم الاستخلاف الذي اراده الله لهذا الانسان ، والغاية من الاستخلاف هي عمارة الكون وبناءه وتشييده ، ويدخل كل ذلك في اطار عبادة الله سبحانه وتعالى ، قال تعالى : (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً) سورة البقرة الآية 30 وقال تعالى : (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) سورة الذاريات الآية 56.
وبناء على ذلك زاد الاهتمام بقضية الانسان وحقوقه وزاد الاهتمام بالعناية به تثقيفا وتعليما وتربية وكثرت الدراسات والبحوث والمؤتمرات التي عقدت لتحديد مفهوم التنمية البشرية وتحليل مكوناتها وأبعادها، كإشباع الحاجات الأساسية، والتنمية الاجتماعية، وتكوين رأس المال البشري، أو رفع مستوى المعيشة أو تحسين نوعية الحياة. وتستند قيمة الإنسان في ذاته وبذاته إلى منطلقات قررتها الديانات السماوية التي تنص على كرامة الإنسان والذي جعله الله خليفة في أرضه ليعمرها بالخير والصلاح. لقد ترسخ الاقتناع بأن المحور الرئيس في عملية التنمية هو الإنسان.
بدأ مفهوم التنمية البشرية يتضح عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية وخروج البلدان التي شاركت في الحرب مصدومة من الدمار البشري والاقتصادي الهائل وخاصة الدول الخاسرة. فبدأ بعدها تطور مفهوم التنمية الاقتصادية وواكبها ظهور التنمية البشرية لسرعة إنجاز التنمية لتحقيق سرعة الخروج من النفق المظلم الذي دخلت فيه بسبب الحروب وجاء كل ذلك تكفيرا من قبل الامم المتحاربة عن خطيئتها التي ارتكبتها بحق الانسان الذي كان وقودا لحروب طاحنة. ومن هذا التاريخ بدأت الأمم المتحدة تنتهج سياسة التنمية البشرية مع الدول الفقيرة لمساعدتها في الخروج من حالة الفقر التي تعانى منها وقد ظهر الاهتمام الاممي بمفهوم التنمية البشرية من خلال الاعلان العالمي لحقوق الانسان حيث وردت تعاريف عديدة لمفهوم التنمية البشرية ففي مقدمة الاعلان العالمي عن الحق في التنمية وهي:
- هي سيرورة شاملة، اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية، تهدف الى تحقيق تقدم مستمر في حياة جميع السكان ورفاهيتهم، وهذه السيرورة تقوم على اساس مساهمة جميع الافراد بشكل نشيط وحر في التنمية، وعلى اساس التوزيع العادل لعائداتها.
- اما الجمعية العمومية للأمم المتحدة فتقر بان الانسان هو الموضوع المحوري لسيرورة التنمية، وان السياسات التنموية يجب ان تجعل من الكائن الانساني المشارك الاساسي في عملية التنمية والمستفيد الاول منها، وتقر بان ايجاد الشروط المساعدة على تنمية الشعوب والافراد هو المسؤولية الاولى للحكومات، كما انها تدرك ان الجهود العالمية المبذولة من اجل تطوير الالتزام بحقوق الانسان والدفاع عنها، لابد ان تتلازم مع جهود مماثلة من اجل اقامة نظام اقتصادي عالمي جديد.
لقد ازداد الاهتمام بمصطلح التنمية البشرية منذ التسعينات وبدأ يظهر جليا في محاضر الاجتماعات وخطابات القادة وصناع القرا السياسي والاقتصادي وزاد الاهتمام به على مستوى العالم بأسره منذ ذلك الحين، كما لعب البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة وتقاريره السنوية عن التنمية البشرية دورا بارزا في نشر وترسيخ هذا المصطلح.
- حيث صدر تقرير التنمية عام 1994 من الأمم المتحدة الذي أكد فيه ان التنمية البشرية هي نموذج من نماذج التنمية والتي من خلالها يمكن لجميع الأشخاص من توسيع نطاق قدراتهم البشرية إلى أقصى حد ممكن وتوظيفها أفضل توظيف في جميع الميادين. وهو يحمى كذلك خيارات الاجيال التي لم تولد بعد. ويخلص التقرير إلى أن التنمية المستدامة تعالج الإنصاف داخل الجيل الواحد وبين الأجيال المتعاقبة .
وبناءً على ذلك يمكننا تعريف المفهوم بانها: عملية توسيع اختيارات الشعوب والمستهدف بهذا هو أن يتمتع الإنسان بمستوى مرتفع من الدخل وبحياة طويلة وصحية بجانب تنمية القدرات الإنسانية من خلال توفير فرص ملائمة للتعليم. ففي عام 1991 صدر تقرير التنمية والذي أكد فيه ان التنمية البشرية لا تؤدى مهامها بدون أن يكون هناك نموا اقتصاديا مصاحبا وإلا لن يكون هناك تحقيق تحسن في الأحوال البشرية عموما.
وهناك من يطلق عليها اسم التنمية الانسانية وهو يأتي في إطار تطور مضامين مفهوم التنمية، استحدث مفهوم التنمية الإنسانية، وجعلت من المفهوم عنوانا لأول تقرير عن التنمية الإنسانية في نطاق الوطن العربي، تبناه برنامج الأمم المتحدة عام 2002. ويرى نادر فرجاني محرر التقرير إلى أن نقطة الانطلاق في مفهوم التنمية الإنسانية هو أن لجميع البشر لمجرد كونهم بشرا حق أصيل في العيش الكريم جسدا ونفسا. وكذلك فإن مفهوم الرفاه الإنساني في التنمية لا يقف عند المعايير الاقتصادية الضيقة، أو حتى عند التنعم المادي أو إشباع الحاجات الأساسية وما شابه، ولكنه يمتد إلى الأمور المعنوية التي تؤكد سمو الإنسانية مثل التمتع بالمعرفة بالحرية واحترام وتحقيق الذات (11).
كما يرى بأن مصطلح الخيارات الوارد في تقارير التنمية الإنسانية، يعبر عن مفهوم أرقى، يعود للاقتصادي الهندي أمارتياسن A.SEN أطلقه في الثمانينات ألا وهو الأحقيات الذي يعبر عن الحق البشري الجوهري في هذه الخيارات (12)، لذلك فإن مفهوم التنمية الإنسانية أوسع من مفاهيم التنمية العادية.
ورد في تقرير التنمية الانسانية العربية للعام 2002 التعريف التالي “يمكن أن تعرف التنمية الانسانية ببساطة بأنها عملية توسيع الخيارات ففي كل يوم يمارس الإنسان خيارات متعددة بعضها اقتصادي وبعضها اجتماعي وبعضها سياسي وبعضها ثقافي، حيث الإنسان هو محور تركيز جهود التنمية فإنه ينبغي توجيه هذه الجهود لتوسيع نطاق خيارات کل انسان في جميع میادین سعي الانسان”(13) وأورد التقرير أن هذا التعريف ينطوي على الدلالات التالية:
- تعزيز الخيارات الإنسانية من خلال إتاحة الفرص والتمكين.
- اعتبار النمو الاقتصادي وسيلة لتحقيق الأهداف وليس غاية في حد ذاته.
- تفعيل مشاركة الناس في القرارات والعمليات التي تشكل حياتهم.
هذا التعريف يقودنا إلى التعريف الذي قدمه الباحث في مركز دراسات الوحدة العربية بشير مصطفى الذي يرى أن” مفهوم التنمية الإنسانية يستند إلى محورين اثنين:
- بناء القدرات البشرية للتوصل إلى مستوى رفاه إنساني راقي من خلال التمتع بمزايا الحياة الطويلة، الصحة، المعرفة، التعليم الحرية.
- توظيف قدرات التسيير في كافة النشاطات الإنسانية الاقتصادية والسياسية والمدنية”.
وفي التحليل النهائي التنمية الإنسانية هي تنمية الناس، ومن أجل الناس، ومن قبل الناس، وتشمل تنميـة النـاس بناء القدرات الإنسانية عن طريق تنمية الموارد البشرية، ويعني القول “التنمية من أجل الناس” أن مردود النمو يجب أ يظهر في حياة الناس، والقول ” التنمية من قبل الناس” يعني تمكينهم من المشاركة بفعالية في التأثير على العمليات التي تشكل حياتهم، فتنمية الإنسان هو جوهر التنمية الشاملة، ولا يمكن تحقيق أبعاد التنمية الأخرى بمعزل عن الإنسان، ولعل هذا ما يؤكد شمولية عملية التنمية.
ولقياس مستوى التنمية الإنسانية، أورد تقرير التنمية الإنسانية مجموعة مؤشرات هي: الصحة التعليم، المعرفة، الحرية، الحرية السياسية، التسهيلات الاقتصادية، الفرص الاجتماعية، ضمانات الشفافية الأمن الحمائي، وتمكين النوع.
ومفهوم التنمية البشرية وهو الاكثر شيوعا واستعمالا في التقارير والدراسات حيث تبين بأنه هذا المفهوم قد تطور ليشمل مجالات عديدة منها: التنمية الإدارية والسياسية والثقافية ويكون الإنسان هو القاسم المشترك في جميع المجالات السابقة. ولهذا فتطور الأبنية: الإدارية والسياسية والثقافية له مردود على عملية التنمية الفردية من حيث تطوير انماط المهارات والقيم والمشاركة الفعالة للإنسان في عملية التنمية إلى جانب الانتفاع بها. وعلى هذا يمثل منهج التنمية البشرية الركيز الاساسية التي يعتمد عليها المخططون وصانعو القرار لتهيئة الظروف الملائمة لإحداث التنمية الاجتماعية والاقتصادية.
وبعد كل هذا يمكن إجمال القول أن التنمية البشرية هو المنهج الذي يهتم بتحسين نوعية الموارد البشرية في المجتمع وتحسين النوعية البشرية نفسها.
المراجع المعتمدة:
- تقرير برنامج الامم المتحدة الانمائي (برنامج ادارة الحكم في الدول العربية ، بيروت ، لبنان ، 2000، ص5.
- برنامج الأمم المتحدة الإنمائي تقرير التنمية الإنسانية العربية 2002 الأردن إيقون للخدمات المطبعية، 2002، ص13
- بشير مصطفى، تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2003: نحـو إقامة مجتمع المعرفة. “مجلة المستقبل العربي”، لبنان، العــدد 203، مايو 2004، ص134.
- برنامج الأمم المتحدة الإنمائي تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2002، مرجع سابق، ص14
تعليق واحد