مسيرة نضال ملك وشعب لتحرير الوطن
مر المغرب من مراحل عدة قبل أن يحقق استقلاله من الاستعمار الفرنسي والاسباني ويصادف اليوم 18 من نونبر من كل سنة عيد استقلال المغرب وتكريم عودة السلطان محمد الخامس إلى البلاد بعد نفيه إلى جزيرة مدغشقر.
الاحتلال العسكري والمقاومة المسلحة
بلغ التنافس الدولي ذروته للاستحواذ على المغرب في منتصف القرن 19م وبداية القرن 20م بعد ضعف نظام الحكم، واتسمت الحياة الاقتصادية وبالركود والبطالة بسبب العزلة التي اتخدها نظام الحكم بالمغرب آنذاك وفرضت عليه، رافق ذلك الاعتماد على سياسة القروض المالية الدولية وتراكم الديون، فشجع هذا الواقع الدول الأوروبية للسيطرة على المغرب.
وكانت فرنسا من أبرز الدول الأوروبية التي اهتمت بالمغرب وأدركت أهميته الاستراتيجية بالنسبة لمصالحها السياسية والاقتصادية منذ احتلالها الجزائر عام 1830م، وفرضها الحماية على تونس عام 1881م، لذلك سعت لاحتلاله بعد أن عقدت معاهدات عدة مع الدول الأوروبية التي كانت تنافسها للسيطرة على المغرب، فتوصلت إلى عقد معاهدة مع إيطاليا عام 1901م، تضمنت إطلاق يدها على لبيا لقاء حرية عمل فرنسا في المغرب، وفي عام 1904م توصلت مع بريطانيا إلى ما يعرف ب (الوفاق الودي) الذي ضمن إطلاق يد بريطانيا في مصر والسودان، وحرية التجارة البريطانية في المغرب، وتخصيص منطقة نفوذ لاسبانيا مقابل التسليم بمطالب فرنسا في المغرب. وقد نجحت فرنسا في إعلان الحماية الثنائية مع إسبانيا على المغرب في 1912م.
كان المغرب قبل 1912م دولة مستقلة ذات سيادة تامة ونظام حكم محكم وقد أشاد بهذا النظام المارشال ليوطي (أول مقيم عام فرنسي في المغرب 1912-1926م)، إذ قال في تقرير رفعه إلى حكومته: ” لقد وجدنا في مراكش دولة وشعبا واضحي المعالم، فأكثر المنظمات القائمة كانت راسخة، وكانت تمثل شيئاً حقيقياً، فلم يكن ثمة نظام سياسي واضح فحسب، بل كان هناك نظام قضائي مهم”.
استولت فرنسا على مراكش (وهو الاسم الشائع للدلالة على المغرب الأقصى في تلك المرحلة التاريخية) بالقوة العسكرية وفرضت علها نظام الحماية بموجب معاهدة فاس التي فرضتها عليها في 30 مارس(آذار) 1912م، تضمنت المعاهدة ديباجة وعدة فصول، وقد اتفقت فرنسا مع حكومة السلطان على إحداث وضع قانوني بالمغرب يبنى على النظام الداخلي والأمن العام، وسمح بإدخال إصلاحات، ويشمن نمو البلاد والاقتصاد.
شاركت اسبانيا فرنسا في هيمنتها على المغرب عن طريق استيلائها على المناطق الشمالية من المغرب، في الوقت الذي خضعت فيه مدينة طنجة إلى إدارة دولة اشتركت بها مجموعة من الدول الأوروبية(بريطانيا، فرنسا، اسبانيا، بلجيكا، هولندا، البرتغال والسويد).
بدأت فرنسا بعد فرض معاهدة الحماية بتطبيق نظام الإدارة المباشرة على المغرب وذلك بتغيير نظام الحكم بإلغاء الوزارات المغربية الأساسية كالخارجية والجيش والمالية، وأخضعت بقية الوزارات كالحبوس(الأوقاف) والعدل لمراقبة فرنسية دقيقة. كما سيطرة على جميع المجالات السياسية، الاقتصادية والاجتماعية في المغرب وحرمت المغرب من كل الأجهزة وسخرت موارد المغرب الاقتصادية لخدمة المصالح الفرنسية والمستوطنين الفرنسيين.
ومنذ توقيع عقد الحماية المشؤوم تفجرت العديد من المعارك والانتفاضات الشعبية من القبائل المغربية ضد الاستعمار الفرنسي والاسباني وظهر أبطال المغرب الحقيقيين رجال التي المقاومة، الذين ناضلوا من اجل الأرض والدين من اهم هذه المعرك نجد معركة سيد بوعثمان 1912م، معركة الهري 1914م، معركة انوال الخالدة 1921م، ومعركة بوغافر سنة 1933م، وغيرها من المعارك التي لقن فيها المجاهدون قوات الاستعمار دروسا في الصمود والمقاومة والتضحية.
تطور الحركة الوطنية
عملت الحركة الوطنية إلى جانب الكفاح المسلح ضد الاستعمار على النضال السياسي لتوعية الشعب المغربي بضرورة الدفاع عن وطنهم من الغزاة.
الحركة الوطنية عبارة عن حركة سياسية منظمة تهدف إلى إحباط البرامج الاستعمارية وقد ظهرت بالمغرب مع بداية الثلاثينيات مع صدور الظهير البربري 16 ماي 1930. وقد اتخذ العمل الوطني خلال الثلاثينيات عدة أشكال:
العمل الصحفي (إنشاء الجرائد) – العمل الحزبي والجمعوي (تكوين الأحزاب والجمعيات) – إنشاء المدارس الحرة – تنظيم مظاهرات – مقاطعة البضائع الفرنسية – الاحتفاء بعيد العرش منذ 1933.
مرور الحركة الوطنية المغربية بمراحل أساسية أهمها :
- المطالبة بالإصلاحات 1934 – 1944
قدمت كتلة العمل الوطني في 1 دجنبر 1934 أول برنامج للإصلاحات اتسم بالاعتدال، إذ لم يعارض نظام الحماية بقدر ما طالب بإدخال مجموعة من الإصلاحات السياسية والإدارية والاقتصادية والاجتماعية على هذا النظام، ورغم اعتدال مطالب الحركة الوطنية إلا أن سلطات الحماية لم تأخذ بها.
- المطالبة بالاستقلال 1944 – 1953
ساهمت مجموعة من العوامل في تبلور فكر الحركة الوطنية وتحولها من حركة تطالب بالإصلاح إلى حركة تطالب باستقلال المغرب وتخلصه من السيطرة الفرنسية، ومن أبرز هذه العوامل نجد: هزيمة فرنسا امام ألمانيا عام 1940م، ونزول القوات الامريكية في المغرب، واجتماع السلطان محمد الخامس مع الرئيس الأمريكي روزفلت عام 1943م.
كان للمؤثرات الخارجية كدخول العراق عصبة الأمم سنة 1932م، والمعاهدة البريطانية المصرية عام 1936م، وموقف الحركة الاستقلالية في سوريا ولبنان تجاه إدارة الانتداب الفرنسي، أثر في ترسيخ الفكرة الاستقلالية في أذهان قادة الحركة الوطنية المغربية.
بدأ قادة الحزب الوطني بإجراء اتصالات سرية مع السلطان محمد الخامس، وعقد اجتماع سري سنة 1943م بين السلطان وخمسة من قادة الحزب هم: أحمد بلفريج وعمر عبد الجليل ومحمد اليزيدي ومحمد غازي ومحمد الفاسي في مخبأ خاص داخل القصر الملكي، واتفق الطرفان في ذلك الاجتماع على العمل بسرية. وبعد ان حصل قادة الحركة الوطنية على تأييد السلطان، عرضت الوثيقة (وثيقة المطالبة بالاستقلال)، عليه واتفق معه على تحديد موعد تقديمها في صباح يوم 11 يناير 1944م. يصادف هذا اليوم إعلان عن تأسيس حزب الاستقلال.
بلغ عدد الشخاص الموقعين على وثيقة المطالبة يالاستقلال التي قدمها الحزب أكثر من 60 شخصاً من الوطنيين البارزين في المغرب وهم، أحمد بلفريج، المهدي بن بركة، محمد اليزيدي، عبد الكبير بن مهدي الفاسي وغيرهم….
تضمنت الوثيقة ما يلي :
- استقلال المغرب في حدودها الكاملة بقيادة السلطان محمد الخامس.
- الالتماس من السلطان السعي لدى الدول الأجنبية التي يهمها الامر للاعتراف بهذا الاستقلال،
- المطالبة بانضمام المغرب إلى الدول الموقعة على ميثاق الأطلسي
- أن يشرف السلطان محمد الخامس على حركة الإصلاح الذي يتوقف عليه المغرب في الداخل، وإحداث نظام سياسي شبيه بنظام الحكم في الدول العربية والإسلامية بالمشرق العربي، وأيد السلطان ما جاء في ثيقة الاستقلال وباركه، وتبنى بنفسه هذا العمل التاريخي المهم.
رفضت السلطات الاستعمارية كل ما جاء في الوثيقة وبدأت بتلفيق التهم لقادة حزب الاستقلال كالتخابر مع الألمان يوم 22 يناير 1944م، وقامت بحملة اعتقالات واسعة شملت جميع الموقعين على وثيقة المطالبة بالاستقلال، وحكمت على عدد منهم بالنفي، وعلى عدد آخر بالسجن.
اعتقلت السلطان الاستعمارية الفرنسية 600 عضو من أعضاء حزب الاستقلال وحكمن على 450 عضواً منهم بالسجن، من بينهم أعضاء اللجنة التنفيذية أحمد بلفريج ومحمد اليزيدي، اللذان ألقيا القبض عليهما في يوم 28 يناير 1944. أدت هذه الاعتقالات إلى قيام تظاهرات وإضرابات عمت غالبية المدن المغربية لا سيما الرباط والدار البيضاء وسلا ووجدة… وأمام هذه الإضرابات والتظاهرات الشعبية العنيفة اضطرت السلطات الفرنسية الاستعمارية إلى إطلاق سراح محمد اليزيدي، ونفي أحمد بلفريج إلى جزيرة كورسيكا.
ولم يخلد المغاربة أمام هذه الإجراءات، بل استمر في التظاهر والمطالبة بالاستقلال قام المستعمر بإطلاق النار عليهم وسقوط الضحايا من المغاربة، اما مدينة فاس فكانت الانتفاضة فيها أوسع من المناطق الأخرى، إذ أعلنت المدينة الإضراب العام، واستمرت التظاهرات الاحتجاجية للتنديد باعتقال القادة الوطنيين لمدة أسبوعين واتخذ الوطنيون من جوامع المدينة ملاذاً من رصاص القوات الفرنسية الغاشمة، وسقط في تلك الانتفاضة أزيد من 60 شهيدا وأعداد كبية من الجرحى.
الكفاح المسلح ( ثورة الملك و الشعب – الحركة الفدائية) 1953 – 1956
بعد دعم السلطان محمد الخامس للحركة الوطنية ورفضه مسايرة مخططاتها الاستعمارية، لجأت سلطات الحماية إلى مختلف الوسائل لإجبار الملك على التخلي عن العرش لكنها باءت بالفشل، لتلجا الى نفيه إلى كورسيكا ثم إلى مدغشقر، و تنصب مكانه عميلها محمد ابن عرفة وقد شكل هذا الحدث الشرارة التي أشعلت ثورة الملك و الشعب، وبفضل العمليات الفدائية، و عمليات جيش التحرير تكبد المستعمر خسائر فادحة.
استقلال المغرب واستكمال وحدته الترابية 1956 – 1979
عجلت ثورة الملك و الشعب بعودة السلطان محمد الخامس الى المغرب في 16 نونبر 1955 حيث شكل اول حكومة مغربية، و التي قادت المفاوضات مع فرنسا، و توصلت في 3 مارس 1956 الى توقيع اتفاقية مغربية فرنسية وضعت حدا للحماية الفرنسية، وفي 7 ابريل من نفس السنة تم توقيع اتفاقية مماثلة مع اسبانيا أنهت الحماية الاسبانية في الشمال، وفي 29 أكتوبر 1956 انهي الوضع الدولي بطنجة.
انتهت الحماية الفرنسية بالمغرب يوم الثاني من مارس سنة 1956م حينما وقع الوزير الأول امبارك لهبيل البكاي على معاهدة الاستقلال النهائية التي ألغت معاهدة الحماية الموقعة بفاس سنة 1912م.
وفي عهد محمد الخامس كان المغاربة يحتفلون بعيد الاستقلال في هذا التاريخ إلا أنه حينما تولى الملك الحسن الثاني العرش سنة 1961 حول هذا التاريخ إلى 18 نونبر والتبرير السائد لهذا التغيير هو التقاء عيد الاستقلال بعيد عرش الملك الحسن الثاني.
استرجع المغرب الجزء الشمالي من ترابه وفي شهر أكتوبر سنة 1956م انعقد مؤتمر دولي بمدينة المحمدية حول منطقة طنجة نص على إلغاء الوضع الدولي للمدينة وعودتها إلى المغرب.
استمر المغرب في الصراع من أجل استكمال وحدته الترابية واسترجع سنة 1958 منطقة طرفاية الجنوبية وبعدها منطقة سيدي إفني في يونيو 1969م بعد مفاوضات مع المستعمر الاسباني واستمر مسلسل الاستقلال إلى غاية 1975م حينما أصدرت المحكمة الدولية حكمها بوجود روابط البيعة والولاء بين سكان الصحراء والعرش الملكي حينها نظم الملك الحسن الثاني المسيرة الخضراء لتحرير الأراضي الصحراوية من يد المستعمر الاسباني وانتهى مسلسل الاستقلال في 14 من غشت سنة 1979م استرجع المغرب باقي المناطق المحتلة.
فهل ينهي المغرب آخر محطات استقلاله باسترجاع السليبتين سبة ومليلية والجزر الجعفرية وجزر الكناري؟
- الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر، معلمة المغرب، مطابع سلا 1998.
- عبد الحميد الجزائري، ثورات المغرب العربي وكفاحه (الجزائر، تونس، المغرب)، دار الجامعة للطبع والنشر.
- روم لاندو، “تاريخ المغرب في القرن العشرين، ترجمة نقولا زيادرة دار الثقافة، بيروت 1963م.
- محمد خير فارس، “تنظيم الحماية الفرنسية في المغرب 1912-1939م، دمشق، 1972.