تاريخ

نشأة وتطور جامعة الدول العربية

تأسست جامعة الدول العربية في 1945/3/22، وقد شاركت في ذلك ست دول هي، العراق، السعودية، سوريا، مصر، لبنان وشرق الاردن. وكان الهدف من إنشائها النظر في مصالح الدول العربية بصفة عامة وقت إنشائها وكانت ليبيا أول دولة عربية تنظم الى جامعة الدول العربية في سنة 1953 ثم تبعتها بقية الدول العربية الأخرى.

واكب تأسيس جامعة الدول العربية العديد من الأحداث التي أثرت بشكل أو بآخر، في بلورة ملامحها، وأهدافها، وذلك من خلال العديد من المتغيرات العربية والدولية، والتي يمكن التعرف عليها من خلال الاتي:

1. المتغيرات العربية التي ساهمت في تأسيسها

لقد شهد الوطن العربي مع نهاية القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر، نشوء إدراك لأكثر الظواهر التي يعيشها ألا وهى الإحساس بوجود خصائص محددة تميز الشعب العربي الذي يعيش ضمن إطار الدولة العثمانية وخاصة التمييز الاثني واللغوي، وظهرت دعوات يقودها الحكام والنخب المثقفة تنادي بالحكم الذاتي، والاستقلال عن الدولة العثمانية (رؤوف،1986: 106).

ولقد شهدت هذه الحقبة استخدام مصطلح القومية العربية. ففي المشرق العربي استخدم إبراهيم باشا هذا المصطلح بقوة حينما أكد على أنه ” ينبغي إحياء القومية العربية، وأن يجعل من العرب شعباً ناهضا له كيانه الخاص. أما في بلدان المغرب العربي فقد استخدمه حمدان خوجه في أوائل عهد الاحتلال الفرنسي للجزائر عندما أكد على أهمية “الاعتراف بالقومية العربية في الجزائر” (وادي، 1982: 23)

ورغم التحفظات التي تشير إلى أن معنى مصطلح القومية لم يأت ليؤكد ايديولوجية محددة في الوطن العربي وإنما كان شعارا لحركة استقلالية لاستقلال العرب سياسيا عن الدولة العثمانية والدول الأوروبية (رؤوف،1986: 106).

ويمكن القول أن أخطر الظواهر السياسية التي طرأت على الفكر القومي عند العرب في أواخر القرن التاسع عشر، ذلك التأكيد المتعاظم على دور النخبة المثقفة التي أسهمت في تأسيس العديد من الجمعيات (أمثال جمعية بيروت، جمعية أحرار حمص والجمعية العلمية السورية) التي تهدف إلى دعوة العرب لليقظة والانتباه لما يحيط بهم من أخطار، وتدعوهم إلى الاتحاد والمطالبة بالحقوق القومية. ومن خلال أدبيات هذه الجمعيات يمكن ملاحظة أن دور النخبة قد تطور ليتجاوز الإطار المحلي، بهدف التوصل إلى صيغة التنظيم القومي الواحد الذي يتجاوز إطار الجمعيات المحلية من أجل تطوير الحركة القومية من مرحلة الوعي إلى بدايات مرحلة التنظير لتحديد مفاهيم الأمة العربية والقومية العربية والوطن العربي انطونيوس، 1987: 90 ).

وفي العقد الأول من القرن العشرين تدافعت الأحداث السياسية في أوروبا والدولة العثمانية، ووضحت الأطماع والتآمر الاستعماري على الوطن العربي، مما أدى إلى ظهور اتجاه يدعو إلى ضرورة الاعتماد على القوى العربية في شبه الجزيرة العربية، وجعل هذه القوى مركز الثقل في أي سعي نحو استقلال. عربي. وإن كان هذا الاتجاه يشك بمدى فاعلية النخبة الثقافية أو النخبة العسكرية في إعادة بناء الأمة العربية والحيلولة دون وقوعها تحت طائلة الدول الاستعمارية، إلا أنه يدعو إلى عدم إهمال دورها فكانت تلك السياسة تمثل تراجعاً عن فكرة “النخبة” إلى فكرة “التحالف”. والأمر الجديد في هذا الشأن هو التأكد من استحالة دوام التعايش بين الأمتين العربية والتركية وخاصة بعد الانقلاب الدستوري في تركيا عام 1908 وظهور النزعة الطورانية وسياسة التتريك لكل شيء (رؤوف، 1986: 131).

هذا المناخ هو الذي هيأ الظروف لظهور الثورة العربية الكبرى بقيادة الشريف حسين بن علي، إلا أن عدم اختيار الوسائل السلمية أدى إلى احتلال مباشر للوطن العربي من قبل الدول الأوروبية وتقسيمه إلى مناطق نفود، وظهور العديد من الاتفاقيات التي تبرز ذلك، مثل اتفاقية سايكس بيكو 1916، وعد بلفور ،1917 مؤتمر باريس عامي -1919 1920، ومؤتمر سان ريمو عام 1920. وبعد انكشاف حقيقة هذه المؤتمرات للعرب وتبدد أحلامهم حيث نكث الحلفاء بوعودهم وساد منطق القوة، وفرض الاحتلال والانتداب وتكريس التجزئة اندلعت في الوطن العربي العديد من الثورات المضادة لسياسات هذه المؤتمرات ونتائجها وعمليات التقسيم والتسوية فاندلعت ثورة عام 1919 في مصر وفي سوريا عامي 1919- 1920 مطالبة بالاستقلال، إلا أن شدة الهجمة الاستعمارية أخمدتها جميعاً (محافظة، 1983: 33).

وسرعان ما انفجرت في عقد الثلاثينات من القرن العشرين الاتجاهات الوحدوية لتأخذ مكانها في الحركة السياسية العربية على إنها رد فعل ضد الاتجاهات القطرية الضيقة، وتعبير عن تطلعات الجماهير العربية نحو الوحدة ، فصاغ بعض القوميين ميثاقا عربيا أكد على وحدة الوطن العربي. وقد صيغ هذا الميثاق في المؤتمر الذي عقده هؤلاء القوميون العرب في آسيا على هامش المؤتمر الإسلامي في مدينة القدس عام 1931 (دروزة، 1975: 124).

ولكن هذه الاتجاهات الوحدوية كررت الأخطاء السابقة بتعليق هذه الآمال على الحكام في المنطقة العربية، وأدى هذا الاستناد إلى اتجاهين في الحركة القومية العربية؛ أولهما يدور حول زعامة الأسرة الهاشمية، وثانيهما حول زعامة الأسرة السعودية وظهر الاختلاف حول أسلوب التوحد العربي مما أدى إلى عمق التجزئة التي تغذيها السياسة الاستعمارية وخاصة السياسة البريطانية في فترة ما بين المواجهتين العالميتين التي واجهت فيها القومية العربية قوة سلبية ومدمرة (إبراهيم،1980: 152) ، وخاصة عندما أدركت أن في العمل القطري خطورة أقل على مصالحها الحيوية في المنطقة من أي عمل وحدوي ولكنها كانت في الوقت نفسه حريصة على تجنب إظهار عدائها السافر لفكرة الوحدة العربية ما دامت مجرد حلم أو مثلا أعلى من المتعذر تحقيقه، وقد وجدت فرصتها لتحقيق أهدافها من خلال حلفائها في المنطقة (محافظة)، 1983 : 37). ولم تهدأ مقاومة الشعوب العربية للاستعمار الأجنبي، فشهد العراق وسورية والمغرب ومصر انتفاضات وثورات عاودت من جديد محاولات للتخلص من السيطرة الاستعمارية ونتج عن هذه الحركات تخلص جزء من الوطن العربي من هذه التبعية وإعلان جزئي للاستقلال السياسي لبعض هذه البلدان، وجاء مع هذه المقاومة يقظة الدعوة للوحدة العربية، وكانت هذه الدعوة ترمي إلى توحيد الدول العربية بهدف التخلص النهائي من السيطرة والتبعية الاستعمارية. كذلك عملت المقاومة على تقديم المساعدة للدول العربية للتخلص من الاستعمار والحصول على الاستقلال.

وفي هذا المناخ ظهرت الدعوة إلى إقامة كيان وحدوي يجمع شمل حكومات البلاد العربية داخله، ولم تتضح معالمها إلا خلال المواجهة العالمية الثانية (شهاب، 1979: 6)، حيث كانت هذه المواجهة مناسبة مهمة دعمت فيها حركة الوحدة العربية و تأكدت فيها الحاجة أكثر إلى مزيد من التعاون و التنسيق سياسيا واقتصاديا بين البلاد العربية (شهاب، 1979: 8).

ونتيجة لاندلاع المواجهة العالمية الثانية، وما فرضته من ضغوط على السياسة البريطانية، ومع ارتفاع درجة الوعي القومي والدعوة لتحقيق الوحدة العربية كان من المناسب لبريطانيا أن تعلن دعمها للمشروع العربي المتمثل في الوحدة لكسب تأييد العرب ولكي يقفوا إلى جانبها في المواجهة العسكرية (رشيد، 1980: 18 ) وهو ما أدى بالعرب إلى الدخول في مشاورات مختلفة لتحقيق شكل من أشكال الاتحاد العربي. ونتيجة لهذه المشاورات المختلفة تشكلت جامعة الدول العربية في عام 1945، والتي تعتبر من أهم التحولات السياسية التي شهدتها الساحة العربية.

2. المتغيرات الدولية التي عجلت بتأسيسها

بعد انتهاء المواجهة العالمية الثانية ونتيجة انحياز العرب إلى جانب الحلفاء ضد دول المحور، أعلنت بريطانيا أنها تعاطفت مع طموحات العرب في التوحد، وأنها تعطي الموضوع العناية اللازمة من التحليل والدراسة عن طريق وزارة الخارجية والمستعمرات. وبعد دراسة دقيقة رأت أنها (أي بريطانيا)، يجب أن تشجع أي عمل اتحادي يضمن زيادة نفودها وتعميقه في الوطن العربي، ويسمح بحل المشكلة الفلسطينية بما يرضي اليهود (خشیم، 1990: 219 ).

وفي هذا السياق جاء تصريح وزير الخارجية البريطاني أنداك (أنتوني ايدن) في 1941/5/29 أمام مجلس العموم البريطاني بأن ” العالم العربي خطا خطوات عظيمة إلى الأمام منذ نهاية المواجهة العسكرية العالمية الأولى، وأن كثيراً من المفكرين العرب يرغبون في أن تحقق الشعوب العربية درجة من التقارب أكبر مما هو متحقق الآن، وهم من أجل تحقيق هذا يعولون على مساعدتنا، وأن مثل هذا النداء الصادر من أصدقائنا لا يمكن أن يضل بلا استجابة. وأنه ليبدو لي من الطبيعي، ومن العدل أن تُدعم العلاقات الثقافية والاقتصادية والسياسية بين البلاد العربية، سنقوم بتقديم المعونة الكاملة لاي خطة تتمتع بالتأييد التام ” (عرفة،1993: 171).

وبعد تصريح ایدن اقترح نوري السعيد رئيس الوزراء العراقي أنداك، عقد مؤتمر عربي لبحث موضوع الوحدة، غير أن وزارة الخارجية البريطانية رفضت هذا الاقتراح خشية منها أن يستغل للدعاية ضد الصهيونية، وإثارة الجماهير العربية ضد بريطانيا، وبناء على ذلك لجأ نوري السعيد إلى طريق المباحثات الثنائية، وبعث برسالة إلى مصطفى النحاس رئيس الوزراء المصري في ذلك الوقت، يعرض علية فكرة عقد المؤتمر. وبعث برسالة مماثلة إلى الملك عبد العزيز بن سعود، وأرسل وفدا رسمياً إلى كل من سوريا والأردن للتشاور حول عقد مؤتمر عربي.

ومن جهة أخرى قادت مصر سلسلة من المشاورات الثنائية والجماعية، وقد أسفرت هذه المشاورات عن وجود اتجاهين مختلفين حول شكل الوحدة العربية المطلوب تحقيقها؛ حيث يدعو الاتجاه الأول: إلى الوحدة الفيدرالية أو الكونفدرالية بين الأقطار العربية، وهو الاتجاه الذي تبنته أساسا الحكومة السورية، أما الاتجاه الثاني فقد اكتفى بالدعوة إلى شكل يسمح بتعاون وثيق بين الأقطار العربية، ويحافظ على سيادتها واستقلالها، وهذا ما فضلته بقية الدول العربية عدا مصر، التي ظلت بعيدة عن تأييد أي من الاتجاهين رسميا باعتبار أنها الطرف الذي اشترك في كل اللقاءات الثنائية ( حليلة، 16).

وفي هذا المناخ العربي، وجه رئيس الوزراء المصري آنذاك مصطفى النحاس في 1944/7/12 الدعوة إلى الحكومات العربية التي شاركت في المشاورات التمهيدية في تلك الفترة: مصر، العراق، سوريا، لبنان، شرق الاردن اليمن والسعودية، لإرسال مندوبيها للاشتراك في اللجنة التحضيرية للمؤتمر العربي العام التي ستتولى صياغة المشروعات المتعلقة بتحقيق الوحدة العربية.

اجتمعت اللجنة التحضيرية في الإسكندرية وبحضور مندوبي الدول المذكورة، وقد استبعد المجتمعون منذ البدء فكرة الحكومة المركزية ومشروع سورية الكبرى والهلال الخصيب. وبعد مناقشات مطولة انحصر النقاش في اقتراح نوري السعيد بتكوين مجلس اتحادي له سلطة تنفيذية، أو تكوين مجلس اتحادي لتنفيذ قراراته من قبل الدول التي توافق عليه، ولا تكون قراراته ملزمة لمن لا يقبل بها (محافظة، 1983: 47).

ومن خلال الأفكار التي تم طرحها خرج الوفد المصري باقتراح إنشاء منظمة إقليمية، تقوم على أساس الالتزام بخط سياسي قومي عربي، وأعطى لهذه المنظمة اسم جامعة الدول العربية. ومثل بروتوكول الإسكندرية الوثيقة الرئيسية التي وضع على أساسها ميثاق هذه الجامعة (محافظة، 1983: 49).

وهكذا يتضح أن نشأة جامعة الدول العربية كانت تعبيراً عن الحقيقة القومية والسياسات القطرية للدول العربية في آن واحد ؛ فالأولى كانت الدافع لإيجاد إطار تنظيمي يعبر عنه ويفترض فيه أن يفضي إلى تكثيف التفاعلات التعاونية بين وحدات النظام، والثانية فرضت قيودا على الإطار التنظيمي كي لا يتجاوزها (أحمد ، 2000: 53 ).

قائمة المصادر والمراجع:

  • رؤوف، عماد عبد السلام (1986) الجمعيات العربية وفكرها القومي. ط ،1مركز الدراسات الوحدة العربية، بيروت، لبنان.
  • وادي، خيرية عبد الصاحب (1982) الفكر القومي العربي في المغرب العربي. دار الحرية للطباعة والنشر، بغداد، العراق.
  • انطونيوس، جورج (1987) يقظة العرب تاريخ حركة العرب القومية. ترجمة ناصر الدين الأسد، دار العلم للملايين، بيروت، لبنان.
  • محافظة، علي، وزلزلة، عبد الحسن، وحماد، مجدي، وهلال، علي، وصابر، محيي، والوافي، عبد الحميد، والبهارنة، حسين، وجميل حسين (1983) جامعة الدول العربية الواقع والطموح. ط ،1مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، لبنان.
  • إبراهيم، سعد الدين (1980) اتجاهات الرأي العام نحو مسألة الوحدة. ط ،3مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، لبنان.
  • مفيد، محمود شهاب (1979) جامعة الدول العربية ميثاقها وإنجازاتها. ط ،1معهد البحوث والدراسات العربية، القاهرة، مصر.
  • عرفة، عبد السلام صالح (1993) المنظمات الدولية والإقليمية. منشورات الجامعة المفتوحة، دار الجماهرية للنشر والتوزيع، مصراتة، ليبيا.
  • الموقع الإلكتروني لجامعة الدول العربية http://www.leagueofarabstates.net/ar/Pages/default.aspx

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *