مفهوم التنمية البشرية وتطوره التاريخي

أخذ مفهوم التنمية البشرية مساحة واسعة من النقاش والاهتمام مع بداية عقد التسعينات، ومع مرور الوقت اتضحت أكثر طبيعة تشابكاته مع المفاهيم الاقتصادية والاجتماعية الأخرى، وما من يوم يمر إلا وتتضح معالم جديدة في أفق هذا الفكر.

1- التطور التاريخي لمفهوم التنمية البشرية

منذ عام 1990 تاريخ صدور أول تقرير للتنمية البشرية للعالم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ولغاية صدور التقرير الثالث للتنمية الإنسانية العربية، ارتسمت صورة أكثر شمولية وأكثر اتضاحا لما يجب أن يكون عليه تعريف التنمية البشرية، وقد جاء النص لهذا التعريف في تقرير عام 1990 كما يلي: “هذا” تقرير عن البشر وكيف توسع التنمية خيار اتهم أنه يعني بما يتجاوز نمو الناتج القومي الإجمالي، وما يتجاوز الدخل والثروة وزيادة الإنتاج السلعي والتراكم الرأسمالي، ذلك أن حصول الفرد على دخل معين يمكن أن يكون أحد الخيارات التي يختارها ذلك الفرد ولكنه لن يكون جماع مهد البشر”.

ثم جاء في تقرير التنمية البشرية لعام 1991 بمشكلة كبرى، فقد اعتمد معدوه في دراسة الحقوق والحريات، أعمال وباحث أمريكي هو – شارل هيومانا – الذي أصدر دراسة شملت 88 دولة، وحاول تعداد الحريات موضوع الدراسة، وترتيب تلك الدول وفقا لهذا التعداد. وقد وضع – هيومانا – تصنيف الحريات إلى خمسة أصناف هي على النحو التالي:

1. الحق في السفر: السفر داخل الوطن والسفر خارج الوطن، التجمع السلمي وتكوين الجمعيات التعليم وتلقي المعلومات …… الخ
2. الحرية من السخرة وعمالة الأطفال، الإذن بالعمل، القتل غير القانوني، الاختفاء، التعذيب، الإكراه البدني، عقوبة الإعدام الاعتقال الإداري، الانضمام الإجباري للحزب أو تنظيم، الرقابة السياسة على الصحف الرقابة على البريد التصنت على الهاتف…الخ.
3. حرية في المعارضة السياسية السلمية، الانتخابات متعددة الأحزاب، الاقتراع العام والسري، المساواة السياسية والقانونية بين الرجل والمرأة، الفرص المتكافئة لكل في الميادين الاقتصادية والاجتماعية ……الخ.
4. الحق القانوني في الجنسية براءة المواطن حتى تثبت أدانته، المساعدة القضائية المجانية وحرية اختيار المحامي، المحاكمة العلنية، المحاكمة السريعة عدم التفتيش إلا بإذن قضائي…….الخ.
5. حقوق شخصية: في الزواج رغم اختلاف العرق أو الدين أو الزواج المدني، المساواة بين الجنسين أثناء الزواج وفي إجراءات الطلاق…… الخ.

وهكذا لم يكن أمام أصحاب التقرير إلا التراجع ونقد الذات في تقرير التنمية البشرية 1992، الذي تضمن فصلا كاملا لموضوع الحريات السياسية والتنمية البشرية “وقد جمع مفهوم “الحريات السياسية تحت موضوعات خمسة هي: الأمن الشخصي (أي أمن المواطن على حياته وحريته وماله)، سيادة القانون، حرية التعبير، المشاركة الشعبية، تكافؤ الفرص.

فالتنمية البشرية إذن هي التنمية التي تتخذ البشر وليس الموجودات أو الموارد المادية، محورا لها، وعليه فهي تهتم بسعادتهم وتعظيم قدراتهم أكثر من اهتمامها بإثرائهم أو زيادة ما في حوزتهم، فالمفهوم يتوخى الاهتمام بالعنصر البشري وأن أحد أوجه هذا الاهتمام هو احترام الاعتبارات الإنسانية المعنوية وتعظيمها.

وقد تطور مفهوم التنمية البشرية ، عبر تقارير التنمية البشرية الصادرة عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ومع حلول عام 1993 تم توسيع مفهوم المشاركة الشعبية سواء الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية، وتم تعريف التنمية البشرية على ضوء ذلك بأنها ” تنمية الناس من اجل الناس وبواسطة الناس ” وتنمية الناس معناها الاستثمار في قدرات البشر سواء بالتعليم أو الصحة أو المهارات، حتى يمكنهم العمل على نحو منتج وخلاق والتنمية من اجل الناس، معناها كفالة توزيع ثمار النمو الاقتصادي الذي يحققونه توزيعا واسع النطاق وعادلا، والتنمية بواسطة الناس إعطاء كل فرد فرصة التمكين والمشاركة، ومع بلورة هذا الأخير يتخذ طرفا المعادلة في مقولة ” الإنسان صانع التنمية وهدفها بعدها الحقيقي، ذلك أن المشاركة الاقتصادية، تعكس صنع التنمية والمشاركة الاجتماعية والسياسية تعكس هدف التنمية.

2- تعريف التنمية البشرية

مما سبق يظهر لنا اختلاف بين مفهومين التنمية البشرية والإنسانية بالاعتبار سياق البحث يدور حول مصطلح التنمية البشرية، فالتعريف ينصب على الوقوف عند المصطلح المستخدم فانه يمكن تعريف التنمية البشرية ببساطة بأنها “عملية توسيع الخيارات أمام البشر” هذه الأخيرة بعضها اقتصادي وبعضها اجتماعي وبعضها سياسي، وبعضها ثقافي، بحيث أن الإنسان هو محور تركيز جهود التنمية، لذا فإنه ينبغي توجيه هذه الجهود لتوسيع نطاق خيارات كل إنسان، في جميع ميادين سعي الإنسان.

وفي التحليل النهائي التنمية البشرية هي تنمية الناس من أجل الناس ومن قبل الناس، وتشمل تنمية الناس بناء القدرات الإنسانية عن طريق تنمية الموارد البشرية، ويعني القول (التنمية من أجل الناس) أن مردود النمو يجب أن يظهر في حياة الناس، والقول (التنمية من قبل الناس) يعني تمكينهم من المشاركة بفعالية في التأثير على العمليات التي تشغل حياتهم.