موضوع حول: الجغرافيا السياسية وعلاقتها بالعلوم الأخرى
أولاً: تعريف الجغرافيا السياسية
تعتبر الجغرافيا السياسية أحد فروع الجغرافيا البشرية الذي يعنى بدراسة التفاعل المكاني بين الظواهر الجغرافية والسياسية. وتهتم بدراسة الظواهر السياسية وعلاقاتها بالمكان ولا فهي تحليل مكاني للظواهر السياسية. وتقوم بدارسة العوامل الجغرافية (الطبيعية والبشرية) وأثرت على القرارات السياسية، وأثر الأخيرة على الظواهر الجغرافية. وتختلف الجغرافيا السياسية عن الجغرافيا البشرية في أن الأخيرة تهتم بدراسة علاقة البيئة بالمجتمعات بدون أطر سياسية في حين تهتم الأولى بدراسة الأطر السياسية للظواهر الجغرافية.
وقد عرف الجغرافي الأمريكي ريتشارد هارتشورن R. Hartshorne الجغرافيا السياسية بأنها العلم الذي يدرس أوجه التشابه والاختلاف بين الأقاليم الجغرافية (الدول) أو العلم الذي يهتم بدراسة التماثل والتباين في الشخصيات السياسية للأقاليم الجغرافية. في حين عرفها نورمان بوندز على أنها تهتم بدراسة الدولة وتفكيرها الايديولوجية وفلسفتها وقوتها وعرفتها لجنة الجغرافيا السياسية في اتحاد الجغرافيين الأمريكيين (AAG) على أنها دراسة العلاقة بين الظواهر الجغرافية والعمليات السياسية. وع الجغرافي جاكسون Douglas Jackson بأنها ذلك العلم الذي يهتم بدراسة الظواهر السياسية في أبعادها الجغرافية. وقد عرفها الجغرافي الأمريكي كارل ساور بأنها غير الشرعي للجغرافيا” غير أن دراسات الجغرافيا السياسية أثبتت أهميتها ونجاعتها معالجة كثير من القضايا والمشاكل الدولية ذات الأبعاد الجغرافية.
وكثيرا ما يتم دراسة الظروف الجغرافية عند مناقشة المشاكل والعلاقات الدولية والجغرافية ويرى البعض أن الجغرافيا السياسية تعنى بدراسة العلاقات الداخلية والخارجية للدول أبعاد الجغرافية. ويرى هارول سبروت أن الموقع الجغرافي للدولة هو العنصر الأهم في تحديد سياساتها الخارجية فقد انتهجت بريطانيا سياسات تدفعها نحو العالم الخارجي قلة مواردها. ودفع الموقع الجغرافي لليابان، اليابانيين نحو البحر. كما أن وجود خامات الحديد في ألمانيا هو أحد أهم عوامل قوتها الاقتصادية والصناعية. ولذلك يمكن القول إن كثير من القرارات السياسية للدول تعتمد على عوامل جغرافية أو ترتبط بالبيئة. ولذلك عرفها بعض بأنها جغرافية الدول أو جغرافية الوحدات السياسية. وقد عرفها روجر كاسبرسون كتابه (تركيب الجغرافيا السياسية)، بأنها التحليل المساحي الظاهرات السياسية.
وحين يتم ربط الظاهرات السياسية بالظروف الجغرافية للدول، ترتبط العلاقات الدولية بين الدول بالجغرافيا ارتباطا وثيقا. ولذلك فانه يتوجب أحيانا فهم الظروف الجغرافية للدول حتى مكن من فهم سياساتها والدوافع التي تقف وراء انتهاجها لتلك السياسات.
وبما أن الجغرافيا تهتم بدراسة طبيعة العلاقة بين الأنسان والبيئة الجغرافية، فإن الإنسان يصير مهم في تلك المعادلة. وعليه فإن الصفات الفكرية والإنتاجية، وقدرات السكان على تحويل الموارد وترجمتها الى قوة حقيقية، هي عناصر مهمة في دراسة السياسات الداخلية الخارجية للدول.
ولا يقتصر بحث الجغرافيا السياسية بأي حال على التحليل المكاني للسياسات الدولية، بل تعدها إلى تحليل السياسات الداخلية للدول، ومدى تأثرها بالظروف الجغرافية المحلية. يقصد بالظروف الجغرافية للدول التوزيع الجغرافي للموارد والسكان بين أقاليم الدولة متعددة.
ثانيا: علاقة الجغرافيا السياسية بالعلوم الأخرى
وتعتمد الجغرافيا السياسية في معالجة قضاياها على أبحاث العلوم الاجتماعية التي يمكن تسميتها بالعلوم المساعدة، كالعلوم السياسية، والعلاقات الدولية والاحصاء، وعلم الاجتماع، التاريخ، والقانون الدولي، والاقتصاد.
وعلى الرغم من وجود تداخل في موضوع الدراسة بين الجغرافيا السياسية والعلوم السياسية إلا أن الأولى تركز على إظهار أهمية العنصر المكاني في توجيه الحدث السياسي. وعليه فإن الباحث في الجغرافيا السياسية لا يولي أهمية كبيرة لشكل وبنية النظام السياسي، الا بالقدر الذي يخدم هدفه الذي يتلخص في إبراز العنصر المكاني وأثره على السلوك السياسي للدول وسنعرض فيما يلي الى طبيعة العلاقة بين الجغرافيا السياسية وبعض مجالات المعرفة الأخرى.
1. علاقتها بالجغرافيا الإقليمية
تسعى الجغرافيا الإقليمية إلى دراسة الإقليم الجغرافي بجوانبه البشرية والطبيعية، فحين تسعى الجغرافيا السياسية إلى دراسة الدولة من حيث إنها وحدة سياسية تنتمي إلى نظام اقتصادي، واجتماعي، وسياسي. وقد يتم دراسة عناصر الارتباط بين الظروف الجغرافية والقرارات والأحداث السياسية، على المستوى المحلي داخل الدول أو على المستوى العالمي، بين الدول. والإقليم الجغرافي إما أن يكون طبيعي كإقليم البحر المتوسط، أو اقليم الغابة الاستوائية، وإما أن يكون بشري كأقاليم صناعة السيارات، أو إقليم زراعة القطن، أو إقليم استيطان الزنوج. أما الإقليم السياسي فهو المنطقة المنظمة سياسيا، أي الدولة.
2. علاقتها بالتاريخ
يرجع الجغرافي السياسي الى التاريخ لمساعدته في تفسير المشكلات والظواهر السياسية ذات الأبعاد الجغرافية السائدة في الوقت الحاضر، ودراسة طبيعة العلاقة بين الجغرافية والسياسة عبر التاريخ. فمن اجل فهم طبيعة المشاكل السياسية ذات الأبعاد الجغرافية بين الصهاينة والفلسطينيين وخاصة فيما يتعلق بالحدود السياسية والمستوطنات والمياه الخ، لا بد من الرجوع للتاريخ لإيضاح كيفية سيطرة اليهود على أرض فلسطين، نتيجة لوعد بلفور وقرارات مؤتمر سان ريمو، وسياسات بريطانيا الاستعمارية التي شجعت الهـجرة اليهودية، ودعم اقامة دولة اسرائيل على ارض فلسطين. ويختلف باحثو الجغرافيا السياسية في مدى الرجوع للتاريخ عند دراسة المشاكل الجغرافية ذات الابعاد السياسية.
وهل يجب الرجوع الى التاريخ القديم للدول، أم يمكن الاكتفاء بدراسة الظروف الجغرافية السياسية في فترات زمنية حديثه. غير أن الاتجاه السائد هو الرجوع للتاريخ بالقدر الذي يساعدنا على تفسير الظواهر السياسية الحالية.
3. علاقتها بعلم السياسة
تدرس الجغرافيا السياسية مثلها مثل العلوم السياسية الدولة، غير أنها تركز على دراسة العلاقات المكانية للأحداث والقرارات السياسية. في حين تدرس العلوم السياسية كل ما هو متصل بالسلطة، كالدستور، والادارة، والاحزاب … الخ. وتهتم كل من الجغرافيا السياسية والعلوم السياسية بدراسة الأحداث والعوامل المؤثرة على الدولة، غير أنهما يختلفان في وجهة النظر، والزاوية التي من خلالها يمكن النظر الى تلك الظروف وتحليلها. فتركز العلوم السياسية على دراسة الانسان والمجتمع اللذان يعتبران اساس التنظيم السياسي، وعناصر بناء الحكومات التي ترسم سياسات الدول. كما تهتم بدراسة سبل تنظيم العلاقات السياسية للدول من خلال بناء المؤسسات السياسية المختلفة. وتدرس الجغرافيا السياسية هذه المؤسسات سواء كانت تشريعية أو تنفيذية من حيث كونها عنصرا فعالا في تشكيل الأنماط الجغرافية. كما تدرس التأثير المباشر وغير المباشر للقرارات والأحداث السياسية لمؤسسات الدولة المختلفة على السطح الجغرافي البشري والطبيعي. فالقرارات التي تتخذها مؤسسات الدولة السياسية قد تؤثر على السطح الجغرافي سواء كان طبيعيا ام بشريا. فقرار توطين البدو في اقطار الوطن العربي، الذي هو قرار سياسي غير مظهر سطح الارض. مثلما غيرت أحداث حرب الخليج الثانية مظهر سطح الارض الطبيعي والبشري. فقد تغيرت معالم الحدود السياسية بعد المواجهة العسكرية كما هاجر مئات الآلاف من العاملين في منطقة الخليج الى مناطق أخرى.
4. علاقتها بدراسات العلاقات الدولية
تدريس كل من الجغرافيا السياسية والعلاقات الدولية، السياسات الخارجية للدول، وطرق الارتباط والتنظيم بين الدول والوحدات السياسية. كما تدرس المنظمات الدولية والإقليمية والمعاهدات، والمؤتمرات الدولية وعناصر توازن القوى، والاستراتيجية العسكرية. وكثيرا ما يصعب تفسير كثير من العلاقات الدولية دون الرجوع الى الظروف الجغرافية، فكثيرا ما تتوتر العلاقات السياسية بين الدول نتيجة مشاكل حدودية، أو بسبب نزاع على المصادر والثروات عبر الحدود. وقد تزدهر العلاقات السياسية بين الدول بسبب الاستغلال المشترك لمياه نهري حدودي، أو نتيجة للتعاون في مجال الاستثمار الامثل لنطاقات المياه الإقليمية المتجاورة.
وكان الجغرافي الأمريكي اسحاق بومان Isaiah Bowmann أول من كتب عن العلاقات الدولية من وجهة نظر جغرافية، عندما نشر كتابا له بعنوان (العالم الجديد مشاكل ف الجغرافية السياسية) عام 1921م. فقد أبرز بومان الارض كعنصر مهم في تحليل العلاقات بين الدول حين درس المشاكل السياسية التي كانت منتشرة آنذاك، وحلل العناصر الجغرافية (البشرية والطبيعية) التي أثرت عليها وساهمت في وجودها.
5. علاقتها بعلم السكان
تساعد الدراسات الديمغرافية كتركيب السكان، ونموهم، وتركيبهم الاجتماعي والعرقي والطائفي، وحركتهم، على فهم المشاكل والقضايا الجغرافية السياسية. فكثير هي المشاكل التي تدرسها الجغرافيا السياسية والتي يمكن تفسيرها من خلال تحليل العناصر الديمغرافية لسكان الدولة أو الإقليم. فيمكن مثلا معرفة سبب توتر العلاقات بين المكسيك والولايات المتحدة الأمريكية أحيانا من خلال معرفة حجم الهجرة غير المشروعة للمكسيكيين. عبر الحدود للولايات المتحدة الأمريكية هذه الهجرة التي تسببها الزيادة المطردة للسكان، وارتفاع نسبة البطالة والفقر في المكسيك وينسحب ذلك على العلاقات اليمينة السعودية في بعض الاحيان. كما يمكن فهم العلاقة بين الروس والولايات الإسلامية التي كانت خاضعة لحكمهم زمن الاتحاد السوفيتي، من خلال دراسة المؤشرات الديمغرافية للسكان المسلمين في هذه الولايات، والذي يمتاز بارتفاع نسبة المواليد وانخفاض نسبة الوفيات الامر الذي كان يهدد التوازن العرقي والطائفي في الإتحاد السوفيتي، والتركيب العرقي والطائفي في افغانستان هو الآخر أحد اهم اسباب المواجهة الأهلية، وتدخل القوى الأجنبية فيها.
ثالثاً: التطور التاريخي للجغرافيا السياسية
كان ارسطو من أوائل من كتب في الجغرافيا السياسية في كتابه عن (الدولة المثالية)، حيث تعد عناصرها: بالسكان والارض والعاصمة، والقوة العسكرية. ثم تبعه سترابو الذي كتب تحديد من الكتب الجغرافية عن العالم المعروف أنداك، ووضعها في خدمة المؤسسة العسكرية ببلاده. ومن العرب اشتهر ابن خلدون في كتاباته عن القوة السياسية للمدينة والقبيلة، وربط القوة العسكرية بالجغرافيا. وكان ابن خلدون أول من طور نظرية الدورة الدائرية في حياة الدول التي اخذها عنه علماء غربيون واضافوا عليها وطوروها وقد اهتم المفكر الفرنسي تسكيو بدراسة العوامل الجغرافية المؤثرة على قوة الدول كالمناخ، والتربة، والمياه، والسكان. د طور الجغرافي الفرنسي كارل ريتر نظرية الدولة ككائن حي، حيث شبه الدول بالكائنات الحية التي تحتاج للنمو لتبقى حية. ويعد الجغرافي الالماني فردريك راتزل أبو الجغرافيا السياسية الذي قدّم لهذا العلم مفاهيم جديدة، ومناهج وأساليب دراسية جديدة. وفي امريكا اشتهر اسحاق بومان ودرونت ويتلسي، وريتشارد هارتشورن في ابحاثهم التي تتناول العلاقة بين الجغرافيا بشقيها الطبيعي والبشري وبين السياسة.
رابعاً: الفرق بين الإقليم الطبيعي والإقليم السياسي
يختلف الإقليم السياسي عن الإقليم الطبيعي حيث يعتبر هذا الأخير أي: الإقليم الجغرافي الطبيعي وحدة طبيعية من صنع الخالق في حين أن الإقليم السياسي هو صنع الأنسان.
فالإقليم الجغرافي غير محدد المعالم بصورة دقيقة، في حين أن الإقليم السياسي واضح المعالم، وله حدود محددة سياسيا بواسطة الخريطة. كما ان الإقليم الجغرافي الطبيعي ثابت، في حين أن الإقليم السياسي متغير، يمكن تعديل حدوده عبر الوقت والحروب.
مصدر للتوسع أكثر: قاسم الدويكات، “الجغرافية السياسية” الطبعة الاولى، مركز الكتاب الاكاديمي للطباعة والنشر، 2011م/1432ه