تاريخ

إفريقيا القرن 21م: صراع بين الكبار أمريكا وروسيا والصين وفرنسا

تقول فرنسا “أنا أمكم ومن رحمي أعطيتكم بعض الحضارة”.

تقول أمريكا ” الديمقراطية هي الحل وانا المنقذ، فقط انقلبوا على حكامكم”

تقول روسيا “الدب وحده سيحميكم”

بينما تنفق الصين الأموال وتفتتح المشاريع ثم تقول “أنظري يا إفريقيا” هؤلاء كبار الكوكب وهذه دوله العظمى لا تصطف بالدور، بل تعيش موجة تدافع جديدة على إفريقيا التي تذكرها فجأة بزيارة رئيس فرنسا ماكرون بما أسمته صحفه بانها “جولة المخاطر” ليجن جنون روسيا ويعلن وزير خارجيتها سيرغي لافروف أنه بطريقه للقارة السمراء اما الرئيس الأمريكي جو بايدن فقد سبقهم جميعا ليعلن عن قمة إفريقية أمريكية بواشنطن.

كل هذا من أجل ترسيخ القوى حيث يمكن السيطرة على الموانئ الاستراتيجية والممرات المائية والموارد الطبيعي مثل البترول والغاز الطبيعي والذهب ولأن لكل قوة لها طريقتها وأسلوبها في محاولة الاستحواذ على كل كيكة إفريقيا لإن امكن دون تقاسمها.

تشهد القارة السمراء دعما لجماعات بالعتمة وحركات انقلابية واضطرابات ونشاط غير مسبوق لشركات امنية خاصة تتبع لدول خارجية لكن كل هذا يتزامن مع حركة حيوية دبلوماسية غير مسبوقة بالعلن، حيث شهدت السنوات الأخيرة افتتاح أكثر من 300 سفارة وقنصلية بدول إفريقية، فيما يبدو ان تصفيات النهائية للصراع الدولي عن إفريقيا تشهد مربعا ذهبيا يتنافس فيه الفرنسيون والروس والصينيون والامريكان على الموارد الطبيعية الغنية في إفريقيا وإمكانيات الأسواق وفرص النفوذ التي تقدمها القارة السمراء ما يذكر بالتنافس المحتدم الذي شهدته القارة بين عامي 1881 و1914م حينما تأجج تنافس القوى الاستعمارية الامبريالية على فرض النفوذ في القارة السمراء والاستفادة من مواردها الطبيعية الغنية ما شكل أخيرا أحد اهم أسباب المواجهة العسكرية العالمية الأولى ما بين 1914 و 1918م.

فكيف بدأ التنافس على إفريقيا؟ وإلى ماذا انتهى اليوم؟

1. رسالة الرجل الأبيض تجاه إفريقيا في القرن 17م:

“عندما جاء المستعمرون كان معهم الإنجيل ومعنا الأرض وبعد وقت قصير اخذوا منا الأرض وأعطون الإنجيل” قال الكاتب الإفريقي من دولة غانا تلخص حالة القارة السمراء أواخر القرن 17م، عندما وصلها الأوروبيون ووجدوا فيها أولا خزانا بشريا لمصانعهم حينها بدأت تجارة الرقيق وتشكلت شبكة نقل الموارد الطبيعية والبشرية من جميع انحاء القارة قبل ان تخضع جميع مناطق القارة رسميا لسيطرة الدول الاستعمارية.

والمطلوب من إفريقيا آنذاك كان معروفا إمداده بالمنتجات الزراعية والعمالة الرخيصة من خلال تجارة الرقيق والعبيد في وقت كانت أوروبا والولايات المتحدة الامريكية تشهدان مرحلة التحول الصناعي والحاجة الماسة لأيدي عاملة ثم بدأت الدول الاستعمارية تكتشف الثروات في إفريقيا وتباعاً تفرقت هذه الثروات سواء موارد طبيعية او طرق تجارية بين فرنسا وبريطانيا وإيطاليا وبلجيكا وألمانيا بالتزامن مع هذه الدول تعمدت تدمير شبكات التجارة التقليدية في إفريقيا وتخريب الأنظمة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية حتى وصل الامر إلى حرمان بعض المناطق بإفريقيا من أقل موارد الحياة وشحن كل ما فيها إلى أوروبا وامريكا أولا بأول ما حول كل إفريقيا إلى قارة مريضة مستغلة حد الإعياء من التجار والجنود والبعثات التي كانت تعرف برسالة الرجل الأبيض.

ولم يفوت الدول الاستعمارية خاصة فرنسا التي تفردت رويدا رويدا بإفريقيا ان تكرس حروبا لا متناهية وسفكا للدماء وفقراُ وفوضى سياسية وضغوط دولية استمرت على كل الدول الإفريقية على مدى قرنين وحتى حينما حصلت دول إفريقيا على استقلالها خلال ستينيات القرن العشرين وجدت نفسي مضطرة للتعامل مع دول منهوبة وحومات في معظمها معينة من قبل الدول الاستعمارية ذاتها ما شكل تريكة ثقيلة خلفها الاستعمار الغربي ما حال دون تطور معظم دول إفريقيا وجعل استقلالها منقوصا مع استمرار التبعية اقتصاديا وثقافيا وسياسيا للدول الاستعمارية وخاصة فرنسا التي بقيت على نهجها حيال إفريقيا.

لكن من خلال التحكم في اقتصادياتها وحكوماتها قبل ان تجد دول القارة نفسها غير قادرة على توفير الخدمات لشعوبها مثل التعليم والصحة والأمن والبنية التحتية فما كان منها إلا ان وقعت في فخ غربي جديد وهو الاقتراض من الهيئات الدولية بعد موجة الانفتاح الاقتصادي في ثمانينيات القرن العشرين وحينها أقرض صندوق النقد الدولي وبنوك تجارية غربية الدول الافريقية أموالاً اكثر بكثير مما تقدر على الوفاء به ما حد بهذه الدول وضع رقبتها اكثر واكثر بيد الاستعمار الغربي بشكل الجديد لتستمر معاناة القارة السمراء من الجوع والفقر والأوبئة مع الافتقاد لمقومات الحياة الأساسية كالغذاء ومياه الشرب والكهرباء.

وبنظرة سريعة على الأرقام الاقتصادية يمكن أن استنتاج حقائق أن نصيب الفرد سنويا من إجمالي الناتج المحلي بالدول الإفريقية لا يتجاوز 850 دولاراً، بينما لا يتعدى متوسط عمر الإنسان في إفريقيا 55 عاماً في المقابل يبلغ متوسط عمر الإنسان في مناطق أخرى من العالم نحو 85 عاماً.

2. فرنسا الآفلة:

مع تصاعد الصراع الدولي على إفريقيا إلى مستوى غير مسبوق تحاول فرنسا بكل ما أوتة من إرث استعماري ان تحافظ على موطئ قدم لها بالقارة السمراء حتى ولو بالاعتذار عن الحقبة الاستعمارية على لسان رئيسها مانويل ماكرون. إلا أن الامس ما عاد يشبه اليوم أبدا بالنسبة لباريس التي بدأت نجمها يسطع كأكبر قوة استعمارية في إفريقيا في اعقاب هزائم نابليون بونابرت في القرن 18م حينما أرادت فرنسا أن تعوض هزيمتها امام لمانيا وفقدانها مقاطعتي الألزازس واللورين عام 1871م عبر البحث عن دول ضعيفة تحتلها وتنهب ثرواتها فكان الخيار الأول لفرنسا هي إفريقيا التي هاجمتها جيوشها قبل التي استطاعت أن تفرض سيطرتها على أكثر من 20 دولة إفريقية بين شمالي وغرب ووسط القارة السمراء.

استمرت فرسنا في حكم حوالي 35% من مساحة القارة مدة 300 سنة بحكم قمعي رح ضحيتها اكثر من مليونين إفريقي حيث عملت على استغلال الأفارقة كعبيد ونهب ثروات هذه القارة ما أسهم في ترسيخ الدولة الفرنسية على أنها دولة كبرى وهو ما أكده رؤساء فرنسا على رأسهم فرانسوا ميتران الذي قال “أنه دون إفريقيا فرنسا لن تملك أي تاريخ”، بينما ذهب جاك شيراك إلى أنه “دون إفريقيا فرنسا ستنزلق إلى مرتبة دول العالم الثالث”.

ومع انتهاء عصر العبيد المباشر تركز الهدف الفرنسي على تعزيز نقل ثروات القارة الافريقية من ذهب ومعادن ونفط لفرنسا وبقاء تدفق الأموال القادمة منها إلى خزينة الدولة عبر تكريس الثقافة الفرانكفونية وإيصال نخب متبعة بالثقافة الفرنسية للحكم أو عبر الوجود العسكري عبر الاحتفاظ بقواعد عسكرية بالدول الافريقية وتنفيذ عمليات عسكرية بدول إفريقية عدة إضافة إلى تحكم شركات فرنسية بجميع الخدمات الرئيسية مثل الكهرباء والمياه والهاتف والنقل والموانئ والبنوك الكبيرة مع السيطرة على قطاعات حيوية كالتجارة والبناء والزراعة.

وبحسب أحدث الاحصائيات فإن إيرادات الخزينة الفرنسية تصل إلى 500 مليار دولار من الأرباح والعوائد السنوية القادمة من إفريقيا خاصة مع وجود كبير للشركات الفرنسية بواقع اكثر من 1200 شركة كبرى و 2100 شكرة صغرى إلا كل هذا يبدوا بطريقه للأفول والزوال مع دخول دول كبرى كالصين وأمريكا وروسيا على خط الصراع على إفريقيا لسحب البساط من تحت فرنسا التي بدأت تخسر تفردها بهذه القارة.

3. أمريكا لاعبة الوقت الإضافي والمستفيد:

رغم ان الولايات المتحدة الامريكية من أوائل الدول التي كانت تشحن العبيد والرقيق من إفريقيا إلى أراضيها لكن الاهتمام الأمريكي تراجع بالقارة السمراء في القرن العشرين قبل ان مؤخرا الاهتمام الأمريكي مجدداً بإفريقيا لكن بالعين ذاتها التي كانت ترى بها فرنسا القارة السمراء وهو يمكن اختصاره عندما وصف الرئيس السابق دونالد ترامب دولا إفريقية بـ “الحثالة” ليخرب جهود سلفه بارك أوباما صاحب الأصول الإفريقية حينما حاول جلب صفقات نفط واستثمارات ضخمة لأمريكا بإفريقيا وهو ما يحاول الرئيس الحالي جو بايدن تحقيقه بتعويض مناطق نفوذ أمريكية خسرها ترامب بإفريقيا.

اتضحت ان معالم موجة التدافع الجديدة تتجلى في السيطرة على الموانئ الاستراتيجية والممرات المائية والموارد الطبيعية الاستراتيجية مثل البترول والغاز الطبيعية إضافة إلى الذهب والألماس واليورانيوم هو مما حدا ببايدن دعوة زعماء بعض الدول الافريقية الحضور إلى قمة إفريقية أمريكية بواشنطن بين 13 و 15 ديسمبر عام 2022، سيظهر بذلك التزام الولايات المتحدة المستمر حيال إفريقيا فيما تؤكد الأرقام أن الولايات المتحدة التي تستهلك ربع إنتاج العالم من النفط تمتلك 3% من احتياطات النفق الخام بالعالم وتفوق واردتها من النفط من الدول الافريقية مثل نيجيريا وأنغولا وتشاد والكونغو والكابون ما تحصل عليه من الدول العربية الشرق أوسطية كما تحتفظ واشنطن بقواعد عسكرية على أراض إفريقية بهدف مواجهة الوجود العسكري الروسي المتعاظم داخل إفريقيا وتنفيذ مناورات عسكرية أمريكية إفريقية مشتركة وأخيرها في يونيو من عام 2021م.

إذ تقدم أمريكا نفسها في إفريقيا على أنها نموذجا مختلفا عن الروس عبر ما تقوله إنه توفير الاستقرار ومحاربة الإرهاب وترسيخ الديمقراطية فيما تتهم القوى الأخرى واشنطن بالتورط في حروب وصراعات إفريقية بالوكالة خاصة عندما دعمت واشنطن جنوب السودان الغنية بالبترول وكانت عرابة في استقلاله عن السودان ومساهمتها في خلع الرئيس السوداني السابق عمر البشير في إطار محاولتها لتقليص من نفوذ روسيا والصين المقلق هناك.

4. لافروف سفير الدب الروسي يحطم جدار فرنسا في إفريقيا:

تبقى روسيا بين أكبر وأقوى الدول التي نجحت مؤخرا في اكتساب موطئ قدم لها في إفريقيا وتحقيق مكاسب بدأت تتضح مكاسبها عندما عقد الرئيس الروسي بوتين قمة إفريقية روسية عام 2019م بهدف عقد اتفاقات مجزية لموسكو حينها قال بوتين روسيا ستعود لإفريقيا لتحقيق اهداف عدة بينها تأمين الأسواق لمنتجاتها الزراعية وتسويق المنتجات والخدمات العسكرية شأنها شان الأمريكيين والأوروبيين.

أصبحت روسيا المورد الأول للأسلحة في إفريقيا وسعت إلى مكاسب سياسية عبر إرسال خبراء عسكريين إلى مناطق النزاعات الاستعمارية الطويلة مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية الخاضعة للنفوذ الفرنسي ووفقا لمعهد ستوكهولم للدراسات لبحوث السلام التي نشرها استوردت إفريقيا ما بين 2015 و 2019 نحو نصف تجهيزاتها من روسيا ما يصل إلى ضعفي حجم ما تستورده من الموردان الكبيران أمريكا بـ 14% والصين بـ 13%، كما لم يفوت روسيا من توسيع نفوذها بشكل كبير من خلال شركاتها المرتزقة التابعة لها بما فيها مجموعة فاغنر التي تعمل في جميع دول إفريقيا من ليبيا إلى جمهورية إفريقيا الوسطى.

5. التنين الإفريقي ينهض ضد الاستعمار الذي عمر طويلا:

صراع القرن 21م من اجل إفريقيا يمضي على قدم وساق حيث لا يقتصر الامر على روسيا وامريكا وأوروبا بل يتعداها إلى الصين التي بدأت قبل أعوام تكثيف النشاط الاقتصادي والعسكري في القارة بهدف السيطرة على حقول النفط التي لم تكتشف بعد بإفريقيا لتضمن الحصول على موارد الطاقة تمكنها من استمرار نموها الاقتصادي وجراء تبنيها خطابا مضادا للإمبريالية وعدم وجود تاريخ استعماريا لها في إفريقيا.

نجحت الصين في تنفيذ خطة محكمة بإفريقيا عبر إدارة مشاريع ملموسة من خلال شركات حكومية وشبه حكومية مثل مؤسسة البترول الوطنية الصينية التي تسيطر على مجالات عدة من بينها الطاقة والتعدين والبتروكيماويات والإعمار والمواصلات والخدمات المالية كما استطاعت الصين من الحصول امتيازات تمكنها من السيطرة على الموانئ والمطارات والسكك الحديدة في لدول إفريقيا المنتجة للنفط مثل السودان ونيجيريا وأنغولا بسبب عروضها منخفضة الفائدة للمشاريع مقابل الموارد الطبيعية وفي دول أخرى مثل زامبيا وناميبيا وجنوب إفريقيا والنيجر استطاعت الصين الحصول على صفقات تعدين لاستخراج الذهب والألماس واليورانيوم والبلاديوم مما أسهم في جعل بكين ثاني اكبر اقتصاد في العالم خاصة بعد مشاريع تنموية كبيرة دخلتها شركاتها في إفريقيا مؤخراً في مجالات الصناعة والزراعة الحديثة والمواصلات والاتصالات والطاقة والتعليم والصحة وتقليص الفقر لتقدم الصين نفسها على انها دولة كبرى حريصة على التنمية في إفريقيا وليس إعلانها فقط بمقدراتها كما حال الدول الأخرى وهو أمر يكرسه الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي عندما أوكل إدارة حقول بترولية مهمة إلى الشركة الصينية القومية للبترول وهو ما قض مضجع العديد من الإدارات الحكومية الغربية.

ورغم ان الأربع الكبار أمريكا وروسيا والصين وفرنسا تتصدر المشهد فيما يخص التدافع للسيطرة على إفريقيا واستغلال ثرواتها لا يمكن إغفال مساعي دول أخرى للحصول على نفوذ في إفريقيا بينها اليابان والهند والبرازيل وتركيا إلا ان جهود هذه الدول تبقى أقل أثراً وتتركز بالشق الدبلوماسي حتى الآن حيث تم افتتاح اكثر من 300 سفارة وقنصلية في بلدانها منذ 2010م، كان لتركيا حصة الأسد إذ فتحت 42 سفارة وقنصلية في عدة دول إفريقية كما تركزت زيارات  المتكررة الرئيس التركي الطيب اردوغان على تسريع التبادل بين انقرة ودول قارة إفريقيا في المجالات الاقتصادية والسياسية ما يؤكد ان الصراع الدولي على قارة إفريقيا ما عاد يقتصر على الدول الكبرى قريبا بل باتت القارة السمراء قبلة لكل من يريد رفد خزينة بلاده بالنفط او الذهب او المعادن وحتى الغذاء ليبقى خير أغنى قارات الأرض لمن خارجها بينما يقضي الكثير من أبنائها جوعا او مرضا أو هم يحاولون الهروب إلى إحدى الدول تتدافع على نهب ثروات إفريقية ليل نهار

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *