تكنولوجيا

منافسةالقوى الكبرى على شبكات الـ 5G… كيف ستحدد من يقود العالم؟

تخوض القوى العظمى حاليا صراع عالمي يدور حول من يمتلك شبكات الجيل الخامس من الإنترنت، ليس بين عمالقة التقنية فحسب، بل يتواجه فيه محور الصين مع محور الغرب على من يملك المستقبل. وأصبحت المنافسة على أشدها، ولم تبال بانتشار وباء كورونا. لقد اتخذت الصين خطوات استباقية لهذا الغرض، بينما أميركا فلازالت في الخلف.

فهل تسمح أميركا للصين بهذا التفوق؟ ولمن ستكون الكلمة الأخيرة؟

تتسابق القوى العظمى (الصين والغرب بزعامة الولايات المتحدة وأوروبا) على امتلاك شبكات 5G باعتبارها المستقبل الأكثر شراسة والذي يجب أن يصل إليه الجميع وأن المتحكمين بها سيعرفون عن الآخرين كل شيء وبكبسة زر. صرفت الصين على تقنية 5G مئات مليارات الدولارات حتى أصبحت رائدة في هذه الصناعة بينما استيقظ الغرب متأخراً.

أصبح المارد الصيني يطل على العلم بكامله من عالم الإنترنت الفائق السرعة 5G لذلك سارعت الولايات المتحدة الامريكية بواسطة رئيسها السابق ترامب إعلان الصراع على شركة HUAWEI الصينية وتشكيل تحالف من 30 شركة حول العالم لخوض السباق أو المعركة لمواجهة شركتين صينيتين هي خطر على مستهلكها المغمضة عيناه ونعمة لمنتجها الذي سيرى كل شيء من مكونات آخر قطعة بيتزا اشتريتها إلى حركة آخر بارجة حربية في أعالي البحار فالأقوى في العالم على طول خط التاريخ كان هو من يمتلك معلومات أكثر على الآخر والأقوى في عصرنا هو جامع البيانات الأكبر والممسك بعصب الـ Big Data.

يدور الصراع العالمي حاليا على الجيل الخامس من الإنترنت لتتهمها بعض أصحاب نظرية المؤامرة بأنها سبب تفشي فايروس كورونا فصدقهم البعض الآخر وقاموا بإحراق أحد أبراجها اللاسلكية لكنها بريئة من الاتهام فهي الجيل الخامس من الإنترنت لا أكثر وتعد الأحداث بعد 4 أجيال سابقة 1G ونشير إليه بأيام الهاتف المحمول القادر على إجراء اتصال فقط. و2G ونشير إليه بأيام الهاتف المحمول القادر على إرسال رسائل نصية ثم رسائل مصورة mms، بينما 3G وهذا الجيل نعرفه جميعاً ونشير إليه بالهاتف المحمول القادر على تصفح الإنترنت وإرسال الصور والبيانات واستخدام تطبيقات المحادثة، ثم جاء الجيل 4G ثم LTE+ وهي أيام العز التي نعيشها اليوم. لكن سنة التطور لا تتوقف وجاءت تقنية الـ 5G التي تعد أسرع من 4G بـ 100 مرة على الأقل وقد تصل لـ 1000 مرة بمعنى أنك تستطيع بواسطتها تحميل أفلام عالية الدقة بثوان قليلة وستوفر سرعة تبادل لبيانات اللازمة لإجراء العمليات الجراحية عن بعد وتعزز اقترابنا من عالم “إنترنت الأشياء الذي يتصل فيه منزلك بحاسوبك وهاتفك بسيارتك وساعة يدك بنظام الدولة الصحي وكل ذلك يتصل بنظام الرقابة للدولة”.

باختصار هي من ستجعل من الإنترنت أقوى وأشد سيطرة ورقابة ومنافسة أكثر من أي وقت مضى بين الدول القوية في العالم وستستعملها يوماً ما لكنك لن تستطيع المنافسة في صناعتها بسهولة لأنها عالم العمالقة فقط IPhone ، HUAWEI، SAMSUNG  وحتى العملاقة يحتجون إلى الكثير من الوقت والجهد والمال والإقناع. ومع 5G لن تحتاج وصلات من أي نوع لهاتفك أو سيارتك أو حاسوبك ذلك لا يعني أنك تتصل بالأقمار الصناعية بل ببنية تحية ضخمة من الهوائيات الأرضية لذلك يقال عنها في شكلها المادي إنها مزيد من تأريض الانترنت وذلك لأنها تعمل بنطاق الموجة الراديوية القصيرة وليست الطويلة مثل 4G والموجة القصيرة بها مشكلتان:

  • الأولى أنها تغطي مسافات قصيرة تصل لـ 300 متر؛
  • والثانية: أن أي حاجز طبيعي أو من صنع البشر يمكن له أن يقطعها بسهولة حتى الامطار تستطيع امتصاصها وحل هذه المشكلة يكون بإنشاء مزيدا من الهوائيات (الموزعات اللاسلكية) وأن تكون هذه الموزعات أصغر حجماً، وأكثر قرباً من بعضها بعضاً وأعلى قدرة على نقل البيانات.

لنفهم تقنية 5G أكثر نطرح مثالا بسيطا “نفترض أنك تسكن في القاهرة وأنك تتصل بالإنترنت بتقنية 4G وتقوم بتحميل فيلماً ما، فحاسوبك يتبادل البيانات مع أقرب موزع لاسلكي بنطاق موجة لاسلكية طويلة والموزع اللاسلكي يتبادل المعلومات مع Cloud أو “السحابة” التي رفع عليها الفيلم عبر موزعات أخرى. فسرعة وصول الإشارة بينك وبين الموزع وبين الموزعات فيما بينها تسمى “كمون” وكلما انخفض هذا الكمون كان تحميل الفيلم أسرع، ماذا لو أردنا رفع السرعة 100 مرة على الأقل كما في 5G؟

الإجابة يكون عبر خفض الكمون، وخفض الكمون هذا يتطلب ليس فقط زيادة الهوائيات بشكل أكبر بكثير مما نعرفه اليوم، بل رفع قدراتها أيضا، فسيارة ذاتية القيادة الخاصة بك يجب أن تتصل بسيارات الآخرين وكل هذا موصول بهاتفك وحاسوبك وشبكة الطرق وإشارات المرور، والأرصاد الجوية، والبلديات، وغيرها.

بمعنى أننا أصبحنا أمام حقيقة تتمثل في زيادة كبيرة بعدد الأجهزة المتصلة بالإنترنت وأمام تحدي الإبقاء على سلاسة مذهلة في تبادل البيانات وتفسيرها وتوجيه استجابة بشأنها وكل هذا بسرعة أقل من 1 مليمتر في الثانية. الآن فهمنا ما نحن بحاجة إليه في المستقبل.

فهل نحن قادرون على القيام به؟ وهنا يكمن السؤال الكبير: من يستطيع صناعة البنية التحتية اللازمة للتقنية الجديدة؟؟

يريد الجميع الدخول في المنافسة على مد شبكاتها بتقنية 5G غير أن الامر صعب ولا يمكن حتى لغالبية الدول القيام به فهو يحتاج لاقتصادات ضخمة لشركات ضخمة لذلك تشتعل التنافسية بين مجموعة من الشركات الكبرى لدخول السباق وإقناع الدول المتخوفة على أمنها الرقمي، تنافسية تصل حد إعلان دخول حرب السيطرة الرقمية من قبل الولايات المتحدة الامريكية على شركة “هواوي” الصينية علنا.

بدأ السباق على تقنية 5G بين الدول المتقدمة حيث بداية اقتصاد الأشياء Internet of Things والذي تقدر قيمته التجارية بـ 12 تريليون دولار مرتبط ارتباطاً وثيقاً بشبكة 5G وهذا الرقم المهول يدفع حوالي 50 شركة حول العالم للمنافسة عليه.

المواجهة بين محور الصين ومحور الغرب على من يملك المستقبل:

في الواجهة تجد أسماء شركات عالمية أما في الباطن فأنت أمام الصين والولايات المتحدة الأمريكية وكوريا الجنوبية وأوروبا وغيرها، غير أنه ما يميز الصين عن غيرها أنها سبقت هؤلاء بمراحل فقد صرفت مئات المليارات من الدولارات للصدارة فالبعض يقول إنها لا تريد أرباحاً فحسب بقدر ما تريد مزيدا من السيطرة على البيانات وأي بيانات؟؟ بيانات العالم بكامل، فأنت عندما تستخدم الـ 5G تدخل في عالم إنترنت متشابك تماماً أكثر بكثير من الماضي.

باختصار كل المعلومات تنتقل عبرها وإلى كل مكان وبفضل التقدم الذي يحرزه والوصول لأكبر عدد من البلدان تكون قد وضعت اللبنات الأولى للسيطرة على المستقبل، تمتلك الصين شركة Huawei التي تسيطر على قرابة 30-40 في المئة من حجم السوق العالمية وتنسب لها 15% من نسبة براءات الاختراع فيه ولديها أيضا شركة ZTE وتعد من الشركات المتقدمة جداً وهما تشكلان الترسانة الصينية في صناعة معدات الاتصالات حول العالم.

في الطرف الأخر تجد شركة Ericsson السويدية وشركة Nokia الفنلندية وشركة Samsung الكورية الجنوبية وأخيراً تحالفاً عالميا من 30 شركة تشكلت في ماي 2020 لمواجهة التفوق الصيني في مجال صناعة الاتصالات العالية السرعة.

توفر الشركات الصينية عروضاً مغرية للدول خصوصاً الفقيرة اتصالات تتميز بالسرعة في التنفيذ والسعر الرخيص أي الكفالة.

لذلك سيجد المحور الأخر بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية نفسه أمام معضلتين:

  • أنه لا يستطيع المنافسة في الأسعار وأنه لن يستطيع السباق مع الزمن للوصول إلى التقنية بدون الصين.
  • وأن الصين توفر له البديل الرخيص لكنه غير الآمن.

استيقظت أمريكا متأخرة وكانت شركتا هواوي وZTE قد بدأتا بمد شبكات 5G على أراضيها، جاءت مؤسسة الأمن القومي الامريكية لتشكك في أن الشركات الصينية توفر لحكومتها قدرة ما على الوصول لبيانات الشركات والمستخدمين المتعاملين معها وأنها تخفي في أنظمتها مفاتيح قاتلة تستطيع إعاقة أنظمة الاتصالات الغربية في حالة وقوع حرب وتلا ذلك إعلان الحظر الأمريكي على الشركات الصينية من مد خطوط 5G على أراضيها وعلى رأس هذه الشركات Huawei.

خلاف الغرب حول حظر الصين استجابت أستراليا للدعوة الامريكية بحظر شركة هواوي وحظرتها لكن بعض الدول الأوروبية كبريطانيا أنها سمحت باستعمال هواوي في 35% من شبكة 5G الخاصة بها كان قراراً مفاجئاً وصادما.

وتوقعت فورين بوليسي أن يدفع دولاً أوروبية كبرى أخرى لاتخاذه خصوصاً أن الاتحاد الأوربي يعد بأن عام 2025 سيشهد التغطية الكاملة في جميع المناطق الحضرية وعلى طول مسارات الطرق الرئيسية في كل دول الاتحاد.

يعتبر الصينيون هم الأقوى في هذه الصناعة لأنهم يقدمون أسعاراً منافسة ينفذون بسرعة ويضغطون أحيانا على الدول الغربية تحت شعار “إذا حظرتم شركاتنا فسنحظر شركاتكم أيضا”.

لا تريد مصانع السيارات الألمانية مثلاً أن تخسر سوقها الصيني لكن الانفتاح الاقتصادي على الصين لا يعني أن الأوربيين سينفتحون عليها رقمياً هم يجدون في الصين نظاماً استبداديا من الأقوى والأشرس لا يناسب مع روح الديمقراطية التي يعتزون بها. نظاماً لن يقول الحقيقة يوماً كما فعل مع فيروس كورونا هم يعتبرون أنفسهم رأس حربة العالم صناعيا وتقنيا واليوم تشكل الصين تهديداً لهذه المكانة وفوق كل ذلك تميل دول الإتحاد الأوروبي لضمان أمنها السيبراني عبر التعاقد مع الشركات المحلية بشكل أساسي حيث أن أستونيا وبولندا فرضتا قيوداً قومية على مد شبكات 5G خوفا على أمنها وتفضل أن يكون ذلك عبر تنويع مزودي الخدمة وإشراك القطاع الخاص المحلي وتريدان بذلك: تحكماً أكبر في الشبكات والمعدات وتوجه المقاومة هذا هو في الحقيقة توجه لكثير من الدول الفاعلة في هذا المجال.

ظهر طرف ثالث في هذه التقنية وهي دولة الهند التي تحاول جاهدة أن تبقى هذه التكنولوجيا أصيلة ومحلية وآمنة على مبدأ رئيس وزرائها “ناريندرا مودي” صنع في الهند. غير ان التمويل يقف عائقاً، تنفق الهند على شبكات 5G مبلغ 31 مليون دولار في 2018 وأن إنفاق الصين على 5G يقدر بمئات المليارات من الدولارات لذلك غالبا توقع شركة Airtel الهندية مع Nokia ولا زالت التساؤلات تلوح حول نيتها التعاقد مع الشركات الصينية يوما ما.

الكثير من الدول لا تشارك في الصراع القائم على شبكات 5G من الأساس لكنها سوق جيد له وهنا يتنافس العمالقة.

أمريكا المتأخرة… لماذا تهاجم الصين بدلاً من تسويق خدماتها؟

صحيح ان العديد من الشركات الامريكية تنتج برمجيات الجيل الخامس الأكثر تقدماً غير انها لا تصنع جميع الأجهزة اللزمة للبنية التحتية الرقمية فعلى المدى المنظور لن تمتلك الولايات المتحدة الامريكية قدرة تنافسية عالمية لذلك تحاول التعاون مع Nokia وEricsson وتضغط على شركات الاتصالات المحلية مثل Cisco وoracle كي تبدأ بتصنيع أجهزة البث الراديوي حتى تدخل لاقتصاد الـ 5G من أوسع أبوابه.

وأشباه الموصلات جزء أساسي من إنشاء شبكات 5G ويمكن للولايات المتحدة الامريكية أن تصنع المعجزة إذا ما وفرت التمويل اللازم لدعم هذه الصناعة وتشجيع القطاع الخاص المتخوف من التكاليف الباهظة مقارنة مع الأرباح قصيرة الأجل. أقر مجلس الشيوخ حزمة مليار دولار لمستخدمي Huawei وZTE الحاليين كي يستبدلوها بالشركات الأمريكية ويسعى لإنفاق مليار دولار إضافي للبحث والتطوير في تقنية الجيل الخامس غير أنه مبلغ ضئيل مقارنة مع بــ 15 مليار دولار أنفقتها Huawei وحدها في عام 2019.

في ماي 2020 جاء الإعلان الكبير في خبر قصير 30 شركة تكنولوجيا عملاقة جلها أمريكية يشكل تحالفاً حمل اسم “أوبن ران بوليسي كواليشن” لإنشاء أنظمة 5G مفتوحة وقابلة للتشغيل المشترك بهدف منافسة هواوي تحالف على رأسه “جوجل” و “مايكروسوفت” و “آي بي إم” و “إي تي أند تي” و “فودافون” بالإضافة إلى “كوالكوم” و “إنتل” و”سامسونغ” تريد الولايات المتحدة وحلفاؤها تحقيق هدفين أساسيين في سباق مع الزمن:

  • ان توفر اكتفاءها الذاتي وامنها السيبراني القومي
  • وأن تلعب دوراً أبعد عن حدودها في مد هذه الشركات ومنافسة الصين

إن عجلة تطوير هذه التقنية في جميع أنحاء العالم تتحرك بأسرع ما يكون والمنافسة عليها بين العمالقة قد بدأت كورونا ومشكلاته تطغى ظهرياً غير انه لن يؤخر السباق كثيراً تتفوق الصين اليوم لكن لا أحد يعلم لمن ستكون الكلمة الأخيرة ستكون المعركة أمنية وتجارية وسياسية وربما حرب عالمية باردة.

لن يكون سهلا إيقاف الصين وخصوصاً في الدول الناشئة غير الديمقراطية ستكون أمريكا محظورة بالمطلق على الصين ستفكر الدول العربية كثيراً قبل أن تتجاوز الإدارة الامريكية، حتى لو جاء ذلك على حساب مزيد من المال ومزيد من الانتظار أوروبا لن تبدي العداء للصين لن تحظر شركاتها علنا لكنها ستذهب للسباق مع الولايات المتحدة برغم كل الخلافات مع الرئيس السابق للولايات المتحدة الأمريكية ترامب.

تمتلك الصين أدوات ضغطها التجارية على الأوروبيين؟ صحيح لكنها ليست بحجم الأدوات الامريكية تشتعل المواجهة مجددا باردة غالباً غزو الفضاء كما في أيام الاتحاد السوفيتي؟ لا بل جمع البيانات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *