بايوغرافيتاريخ

قراءة في رواية اللص والكلاب: القراءة التحليلية

تحديد اللغة والأسلوب:

ننظر هنا في أسلوب المؤلّف السردي وتبين نوعه وذلك انطلاقا من تأمل الطريقة التي يَسْتَعمل بها النص اللغة والكشف عن عملية الانتقاء التي يُمارسها، وتعرف المصادر التعبيرية التي ينهل منها، والكشف عن المعايير المتحكمة في النص والانتقاءات التي يقوم بها، وعلاقة الأسلوب بأهداف النص وبالقارئ وقصد انجاز دراسة هذا المنظور يمكن اتباع خطوات منها: أ- طبيعة اللغة ومستوياتها ب الأسلوب ورهانات النص.

أ- طبيعة اللغة ومستوياتها:

يتميز أسلوب نجيب محفوظ في رواية اللص والكلاب بالاقتراب من لغة البساطة والوضوح والدقة في الوصف دونما اهتمام بالمحسنات البديعية مراعاة للغة العصر التي تأثرت بلغة الصحافة والطباعة وبالمثاقفة.

كما تقترب من لغة الحياة اليومية من خلال اعتماد لغة حية لها علاقة بالشارع المصري، بهذا يؤسس نجيب محفوظ لتجربة جديدة تمزج بين اللغة العربية الفصحى واللغة العامية في محاولة لسبر أغوار الإنسان العربي وكشف همومه النفسية والاجتماعية. وتكشف لغة الرواية عن مجالات لغوية متعددة تتحدثها شخصيات الرواية، يمكن أن نذكر منها ما يلي:

  • لغة الرفض والسخط: هي لغة سعيد مهران.
  • لغة التبرير: وتتكلمها الشخصيات التي خانت سعيد وخلقت واقعا جديدا يلائم مصالحها.
  • لغة المرارة والوحدة: تتكلمها نور في لحظات كثيرة داخل الرواية ويقاسمها إياها سعيد أحيانا.
  • لغة الزهد والانطواء: هي التي يتحدثها علي الجنيدي.
  • لغة الوفاء: هي التي يتكلمها كل من طرزان ونور.
  • لغة الخيانة: هي التي تميز لغة كل من رؤوف علوان وعليش سدرة ونبوية.

كما تتميز لغة الرواية بتداخل خيوط السرد، الذي يتداخل فيه صوت الكاتب بصوت السارد والشخصية الشيء الذي يؤكد بأن الكاتب قد سرد الأحداث بالاعتماد على وضعيات سردية متعددة، من أجل الإحاطة بهموم الشخصية من كل جوانبها.

كما تتميز اللغة كذلك باعتماد حقول معجمية كثيرة ” حقل الحرية حقل الموت، حقل الدين حقل الجسد، حقل السجن…”

وباعتماد لغة الوصف ” وصف الشخصيات الأماكن..” واعتماد الحوار بنوعيه الخارجي والداخلي.

ب الأسلوب ورهانات النص:

إن الأسلوب الذي يتبناه النص له علاقة بالرهانات التي يسعى إلى تحقيقها، ذلك أن الكتابة عن الخيانة والاغتراب والوحدة التي يشعر بها الإنسان في المجتمعات العربية والمجتمع المصري على الخصوص، تتجاوز عند الكاتب حدود الارتباط بالشخصية الروائية للإيهام بواقعية الأحداث، لتحاول البحث عن الطرائق الفنية الكفيلة بخدمة المضمون.

القراءة التركيبية:

تعتبر “اللص والكلاب” رواية الواقعية النقدية، فهي تشخص بعمق مشاكل الفرد في مجتمع تلاشت فيه القيم النبيلة، وسادة الظلم والفساد هذه الرؤية المأساوية التي عبر عنها نجيب محفوظ في هذه الرواية تستخلص من خلال مسار البطل الفردي. وإن الإصغاء لمشاكله ومعاناته مع الذين خانوه يعكس أزمته الداخلية، وهي أزمة تضعه في خانة البطل الإشكالي، الذي يطمح إلى بعث القيم النبيلة في مجتمع يفتقد إليها نتيجة ما يعانيه من تشيو إن الواقعية النقدية والرمزية التي تندرج ضمنها هذه الرواية تظهر من خلال ارتباط النص بأزمة الفرد؛ لذلك لا تكمن الأهمية فيها في التعبير عن الواقع وإنما في استبطان الحياة الداخلية، وتلمس المعاناة التي يعيشها الفرد في المجتمع.

ونجد نجيب محفوظ يعطي الأولوية لشخصية البطل، أما الاهتمام بالشخصيات الأخرى فبقدر علاقتها بالبطل، ودورها في الكشف عن نمو الأحداث وتطورها. وقد لا حظنا أن مختلف مكونات الرواية، الأزمنة الفضاءات تشتغل بقوة من أجل التعبير عن الشخصية وجعلها واضحة المعالم كما رسمها المؤلف. لذلك ليس غريبا أن ينحو نجيب محفوظ منحى خاصا في التعامل مع هذه المكونات فالوصف المرتبط بالأمكنة لا يحضر بتلك الكثافة إلا في علاقته بالشخصية، وكذلك الزمن، فالروائي لا يهتم بالزمن الطبيعي بقدر اهتمامه بالزمن النفسي الذي يظهر على شكل معاناة وآهات لا حد لها. وقد نوع الروائي كذلك من تقنيات السرد والتداخل بين السارد والشخصية ومزج الأزمنة وإحداث تداخل بينها عن طريق الاسترجاع والاستباق، فضلا عن تسريع وتيرة السرد بالاستفادة من تلخيص الأحداث وحذف بعضها. أما الحوارات فقد تنوعت أساليبها إلى حوارات داخلية وأخرى خارجية أضاءت موقف الشخصيات ومنظورها إزاء ما يواجهها في العالم الذي تعيش فيه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *