قراءة في رواية اللص والكلاب: القراءة التحليلية
1- استخلاص البنية:
نركز هاهنا على ثلاث بنيات أساسية: التأليف والتنظيم الزمني والتنظيم المكاني.
2- التأليف:
تتشكل الرواية من ثمانية عشر فصلا، تتبع فيها الروائي شخصية سعيد مهران المركزية، وتبتدئ الرواية بلحظة خروجه من السجن، وتنتهي بلحظة محاصرته من طرف الكلاب وقوى الأمن والقضاء عليه بالمقبرة. ويمكن قراءة هذه الرواية باعتبارها رواية الشخصية المركزية، أو رواية اجتماعية نقدية، فهي تعبير عن اعتراض الفئات الاجتماعية الفقيرة على المظاهر الاجتماعية الفاسدة كالزيف الاجتماعي، والتنكر للمبادئ واستغلال براءة البسطاء ما يجمع بين فصول هذه الرواية ليس هو وحدة الشخصية المحورية فيها فحسب، بل أيضا تركيبة التقنيات الروائية المعتمدة فيها من: استباق واسترجاع وحذف وخلاصة….
3- التنظيم الزمني:
تترك رواية “اللص والكلاب” في المتلقي انطباعا بكونها رواية اجتماعية تقدم نموذجا لمعاناة الفئات الفقيرة في المجتمع المصري، لكنك عندما تغوص في أعماقها تكشف عبقرية نجيب محفوظ، وقدرته على التلاعب بالزمن، فتقف على إبداعه في تحويل الزمن إلى أداة تشخص بقوة أسئلة الفرد في هذا الزمن القاهر الذي لا ينسجم معه.
من هنا فإن الزمن الطبيعي لا يبدو كثير الأهمية في الرواية إذا ما قيس بالزمن النفسي الذي ركزت عليه الرواية وجعلته نافذة تطل من خلالها دقائق الأمور وجزئياتها. لقد تميز الروائي في هذا الجانب المتعلق بالزمن النفسي الشخصي، إذ يسكت عن السنوات الطويلة في عالم الواقع، ويقف عند التمفصلات الزمنية في حياة الشخصية حيث نكتشف أن الزمن النفسي مرتبط بالشخصية، لا بالزمن، إذ الذات تتخذ مكان الصدارة، ويفقد الزمن معناه الموضوعي ليصبح منسوجا في خيوط الحياة النفسية.
يتجلى هذا الزمن في رواية “اللص والكلاب” في الأزمة التي يعيشها سعید مهران وما تسببه في نفسه من إحباط وخيبة وعزلة …. لم يكد يتخطى أزمة السجن حتى وجد نفسه داخل دوامة أزمة جديدة هي أزمة الخيانة المركبة التي عاشها مع كل من نبوية وعليش ورؤوف، مما جعل العالم يبدو في عينيه متأزما متدهورا، أجوف لا روح فيه، ذلك أن جميع القيم التي آمن بها وضحى لأجلها قد لابسها التحول في ممارسات الخونة، فانقلبت نبوية من محبة إلى خائنة، وعليش من تابع إلى واش ورؤوف من معلم لقيم الاشتراكية إلى انتهازي وليبرالي فاسد…
4- التنظيم المكاني:
لا يعتمد نجيب محفوظ المكان، في روايته هاته إطارا تزيينيا أو تكميليا، يؤثث به فضاء الرواية فحسب، بل يعتمده مكونا أساسيا يبوح بما يفكر فيه الروائي، ويتيح إمكانية الكشف عما تعانيه الشخصية من صنوف الوحدة والاغتراب والمعاناة. ويمكن كشف هذا التنظيم في الرواية من خلال الفضاءات التالية:
فضاء السجن: تفتتح به الرواية، يغادره سعيد مهران بعد أن قضى به أربع سنوات، هو فضاء عزلة وحصار فيه يفقد الإنسان حريته.
فضاء عطفة الصيرفي: يحمل إلى البطل مشاعر مزدوجة ومتناقضة، ففيه ألقي القبض عليه نتيجة السرقة. ويحمل إليه كذلك ذكرى جميلة تتصل بزواجه من نبوية؛ قال: ” وقبل ذلك بعام خرجت من العطفة تحمل دقيق العيد والأخرى تتقدمك حاملة سناء في قماطها، تلك الأيام الرائعة التي لا يدري أحد مدى صدقها” [اللص والكلاب: 8].
فضاء بيت الجنيدي: حيث يقيم الشيخ علي الجنيدي المتصوف صديق والده، يتميز هذا المكان بالسكينة والاطمئنان والعزلة عن العالم، كما أنه مأوى لا يغلق أبدا، يلجأ إليه البطل في لحظات الشدة لكنه لا يشعره بالراحة، لأن رؤيته تختلف عن رؤية الشيخ.
فضاء شقة نور: يكتسي هذا الفضاء أهمية كبيرة بالنسبة للبطل، وعلى الرغم من أنه لم يكن قادرا حتى على إشعال شمعة فيه خوفا من إثارة انتباه الجيران له، فإنه كان يجد فيه قدرا من الإنسانية – التي هجرت العالم الخارجي – في نور المرأة التي أوته وبادلته مشاعر الصدق والمحبة في أحلك الظروف.
فضاء مقهى طرزان: في هذا الفضاء كان يحصل سعيد على معلومات عن أعدائه، وفيه حصل على المسدس الذي أهداه له طرزان لينتقم من الخونة.
فضاء الفيلا التي يقيم فيها رؤوف علوان: وهو فضاء ينطق بالحياة الجديدة التي انخرط فيها رؤوف علوان، وينطق بالعهد الجديد، وشعاره الانتهازية والارتداد عن المواقف.
فضاء المقبرة: يحمل هذا المكان دلالة الموت، والعزلة والوحدة والاغتراب الذي لا يطاق، فيها حوصر سعيد وكانت نهايته….