جغرافيا

بحث حول الجغرافية البشرية Géographie Humaine

تتضمن مجموعة من العلوم الجغرافية الإنسانية التي تهم دراسة النشاط البشري، وتوزيع الإنسان وأنشطته على سطح الأرض. ومـــن بـيـن هـذه العلوم (الجغرافية الاقتصادية، وجغرافية السكان، وجغرافية المدن، وجغرافية الأرياف، وجغرافية الخدمات، والجغرافية الاجتماعية، والجغرافية السياسية).

1. الديموغرافيا وجغرافية السكان

تتكون كلمة ديموغرافيا Démographie من مقطعين من اللغة اليونانية: الأول Demos: وتعني السكان أو البشر، والثاني Graphia: وتعني وصف أو دراسة.

وبذلك تدل كلمة ديموغرافيا في معناها العام من الناحية اللغوية وصف البشر أو دراسة السكان، أما اصطلاحا فتعرف الديموغرافيا بأنه “علم يهدف إلى دارسة خصائص المجتمعات البشرية المتمثلة في العدد والحجم والتوزيع والكثافة والأعراق ومكونات النمو الولادات والوفيات والهجرة وأمد الحياة ومتوسط الأعمار والجنس ومستوى الدخل، وغيرها وذلك في إحدى المناطق”

انطلاقا من هذا التعريف يمكن تحديد مواضيع الديمغرافية في دراسة جميع الخصائص السكانية التي يمكن قياسها رقمياً من خلال:

  • حجم السكان؛
  • التوزيع والكثافة؛
  • الخصوبة التكاثر الطبيعي؛
  • نسبة الصغار أو الكبار؛
  • نسبة القادرين على العمل؛
  • نسبة الأمية في المجتمع؛
  • تركيب السكان حسب العمر؛
  • نمط المعيشة: ريف، حضري؛
  • الحالة الزوجية، المهنة، التعليم، الدين، اللغة؛
  • الهجرة والحركية؛
  • التغيرات الطارئية زمنيا ومجاليا على الخصائص.

تتموقع الديمغرافيا في مركز العلوم والحقول المعرفية التي تهتم بالسكان، والتي يمكن أن نذكر منها علم الاجتماع والأنثروبولوجيا وعلم النفس والجغرافيـا والـعـلـوم القانونية والعلوم الطبية وعلم الأوبئة، بالإضافة إلى ما تفرع عنها هي نفسها من تخصصات فرعية كالديمغرافية الاجتماعية والديمغرافية الاقتصادية والديمغرافية التاريخية.

2. جغرافية الأرياف

فرع من الفروع الكبرى للجغرافيا البشرية، وهي دراسة للمجال الريفي بمفهومه الواسع، كمجال متغير تحكمه دينامية العلاقات مع المدن، أي دراسة تحاول أن تنظر إلى سكان الأرياف، بمختلف أنشطتهم الفلاحية وغير الفلاحية (تجارة، صناعة تقليدية، سياحة)، ليس كأفراد منعزلين، ولكن كعناصر لها استراتيجيات للاندماج في مجتمع واقتصاد جديدين وهي حالة دول الشمال. لكن قد يظهر سكان الأرياف كمجموعات بشرية بدون هوية ريفية أو حضرية كما هو الحال في أغلب الدول النامية، ونميز في هذا الصدد بين:

  • الجغرافية الزراعية تدرس المشاهد الزراعية الناتجة عن استغلال المجال؛
  • الجغرافية الفلاحية تهتم بالجوانب التقنية لمزروع أو ماشية معينة في إطارها الطبيعي، بغض النظر عن الظروف البشرية؛
  • الجغرافيا الريفية تبحث في تنظيم المجال الريفي من قبل المجموعات البشرية، وما يلحق به من تحولات.

عندما نتحدث عن كلمة الريف أو ريفي rural في المعاجم تحيلنا الشروحات في أغلب الأحيان إلى كلمة مدينة والتمدين وحضري لنفهم في الأخير أن الأرياف عكس المدن دون تحديد المعايير الدقيقة للإحاطة بمحتوى كل منهما، ويعتبر هذا الغموض في الحقيقة عن انعدام تعريف قطعي دقيق ومتفق عليه عالميا لما يسمى بالمجال الريفي. فمن دولة إلى أخرى، بل ومن باحث إلى آخر تتعدد التعاريف وتختلف كما تتغير هذه التعاريف عبر الفترات تبعا لتغير العلاقات بين المجال الحضري والريفي.

ويفهم عادة المجال الريفي، تلك المجالات القليلة التعمير وذات الكثافة السكانية القليلة حيث يغلب النشاط الزراعي وتقل التجهيزات الأساسية المختلفة. غير أن ما يجب التركيز عليه هو أن المجال الريفي ليس مرادفا للمجال الفلاحي أي الأراضي القابلة للرعي والزراعة، بـل يشمل كذلك الغابات والمساحات غير المزروعة، كما يتضمن مساحات خاصة لوظائف أخرى كالحرف والصناعة والتعدين والمحميات الطبيعية والمجالات السياحية…

3. جغرافية المدن

تعتبر جغرافية المدن Géographie urbaine فرعا من فروع الجغرافية البشرية، وقد ظهر هذا التخصص العلمي بشكل واضح، مع تزايد ساكنة المدينة وارتفاع ظاهرة التحضر عبر العالم حيث أصبحت إشكالية التمدن، وتوسع المدينة، واستقطاب أنشطة اقتصادية عديدة بالمدينة، من أهم الإشكالات التي فرضتها على الاختصاصات العلمية التي تهم بدراسة المدينة، أساسا، جغرافية المدن، علم الاجتماع الحضري والاقتصاد الحضري…

تطورت الدراسات الميدانية والنظرية في هذا التخصص المعرفي جغرافية المدن”، أساسا مع تغير الإشكالية الحضرية، وتطور الأنظمة الاقتصادية العالمية التي تؤثر، وبشكل مباشر على نمو المدينة المعاصرة، أساسا، منذ الخمسينيات من القرن العشرين إلى المرحلة الحلية وفي هذا الصدد، اعتبرت الباحثة الجغرافية الفرنسية Beaujeu Garnier أن “جغرافية” المدن لم تظهر” كتخصص علمي دقيق إلا مع خمسينيات القرن العشرين حيث برز باحثون في الجغرافيا اهتموا بموضوع دراسة المدينة في تحولاتها السكانية والمجالية والاقتصادية…. خصوصا مع تزايد ساكنة المدينة، وتنامي ظاهرة التمدن على حساب البادية.

4. الجغرافية الاقتصادية

تشكل الجغرافية الاقتصادية أهم مكون في الدراسات الجغرافية عامة، إلا أن ما يميزها داخل هذا الحقل المعرفي طبيعة المقاربة وطرق التحليل المعتمدة في معالجة قضاياها، حيث سيادة المعطيات الإحصائية التي يعمل الجغرافي على التجليات المجالية.

لقد كان أول من استعمل مصطلح الجغرافية الاقتصادية عند نهاية القرن 19 الباحث الألماني كوتز COTZ سنة 1882 الذي يمكن اعتباره مؤسس لهذا العلم وتتسم الدراسة في الجغرافية الاقتصادية بدينامية مهمة. لذلك يصبح من الصعب ملاحقة كل أشكال التغيير الاقتصادي المستمر، فيلاقي المهتم بالجغرافية الاقتصادية مصاعب في جمع البيانات والمعطيات وتحليلها، وترتبط هذه الدينامية بالتغيرات السياسية التي تؤثر على الإنتاج الاقتصادي.

فالجغرافية الاقتصادية إذن هي فرع هام من فروع الجغرافية تهتم بدراسة ما يدور على الأرض من نشاطات وتفاعلات بشرية وطبيعية، والموارد جزء من الجغرافية الاقتصادية لأنها تتناول بالدراسة مصادر البترول وتفاعل وسائل استغلالها مع بقية عناصر الجغرافية الاقتصادية، نظم الاستغلال وقوانينه النقل، التبادل والتجارة…

والجغرافية الاقتصادية، تتناول الموضوع الاقتصادي من زاوية لا يتناولها علم آخر، هي زاوية أشكال النشاط الاقتصادي وتوزيعه المجالي على سطح الأرض، وما يتداخل في ذلك التوزيع من تأثيرات نابعة عن جغرافية الأرض والسكان قد تصل إلى درجة التحكم في أشكال الإنتاج والتوزيع والاستهلاك لفترة زمنية متباينة، نتيجة الخلفيات حضارية وتكنولوجيا.

5. الجغرافية الإقليمية

تهتم بدراسة الإقليم وخصوصا التضاريس وتشكيلاته النباتية ومختلف التأثيرات المناخية، وبصمات الإنسان لإعداد أساليب عيشه وتنظيم مختلف أنشطته، وتدخله عبر مجموعة من مخططات التهيئة كتنظيم المجال الحضري وهيكلة المجال القروي وتهيئة المناطق الصناعية… أي السعي لخلق توازن بين المعطى الديمغرافي والمعطى الاقتصادي للإقليم. فهي إذن تدرس نفس مكونات الجغرافيا الطبيعية والبشرية، ولكن:

  • بالارتكاز على جهة أو إقليم ودراسة التفاعل بين مكونات المجال الطبيعية والإنتاجات والإنجازات البشرية؛
  • بدراسة التفاوتات والاختلافات الكمية والنوعية للمجال على مستوى الإقليم وتحليل ومقارنة مكوناتها وترتيبها لمعرفة انعكاساتها على الحياة البشرية؛

وبرزت الجغرافية الإقليمية مع المدرسة الفرنسية خاصة مع Vidal de la Blache من خلال تفسير التفاعل بين الإنسان والبيئة داخل كل إقليم حسب إمكانياته وظروفه وإبراز خصائصه الطبيعية وكيفية استغلاله.

تتضمن الجغرافية الاقليمية دراسة كافة الجوانب الجغرافية (العلاقات المجالية للظواهر والخصائص الطبيعية والبشرية والاقتصادية)، وتطبيقاتها سواء على المستوى العالمي (القارات) والإقليمي (أقاليم جغرافية) أو على مستوى الدول أو على أجزاء من دولة ما، وذلك بقصد إظهار الشخصية الجغرافية للإقليم، ومكانته العالمية أو لتعزيز وتنمية الشعور الوطني عند دراسة الدول، ومعرفة إمكاناتها، وقدراتها على ضوء مواردها الطبيعة والبشرية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *